مركز “موسكوفسكي كارنيغي” الروسي
الشرق اليوم- ينبئ الخبراء بفشل مقترح موسكو المتعلق بالخليج العربي، رغم النجاح الذي حققته في منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة.
إن حرب الناقلات في الخليج العربي لم تشهد تصعيدا ولم يتفاقم التوتر بشأن إيران إلى أعمال عدائية واسعة النطاق، على الرغم من أن التهديدات المحتملة لا زالت قائمة. وبدلا من الحرب، بدأ الكفاح من أجل السلام، إذ تتنافس القوى الكبرى على محاولة تقديم اقتراحاتها فيما يتعلق باستقرار الوضع في الخليج العربي والشرق الأوسط، بما في ذلك روسيا، التي قدمت مفهوما أمنيا جديدا في منطقة الخليج العربي.
وفي مايو، يونيو الماضيين، عرف خليج عُمان اعتداءات غامضة على ناقلات النفط لم يتحمل أحد مسؤوليتها أي طرف إلى اليوم. في المقابل، كانت بريطانيا أول من أطلق عنان حرب الناقلات باحتجازها لناقلة النفط الإيرانية “غريس 1” بتهمة نقل النفط إلى سوريا رغم العقوبات المسلطة عليها من طرف الاتحاد الأوروبي.
وردا على ذلك، وبعد مرور أسبوعين، احتجز الحرس الثوري الإيراني بدوره الناقلة البريطانية “ستينا إمبيرو” في مضيق هرمز، من ثم سحبها إلى ميناء بندر عباس الإيراني. على خلفية ذلك، ظهرت بعض الشائعات التي تفيد بأن المملكة المتحدة تدرس إمكانية فرض عقوبات على إيران. لكن لم يحدث ذلك الى حدود الساعة، وربما يعزى هذا التهاون إلى الظروف التي تعيشها المملكة المتحدة وتنصيب رئيس وزراء جديد خلفا لتيريزا ماي.
اقترحت المملكة المتحدة بعد ذلك إنشاء تحالف بحري أوروبي لحماية السفن ومكافحة القرصنة. ومثلما جرت العادة، ودون انتظار نتائج التحقيقات، وجّهت الولايات المتحدة أصابع الاتهام نحو طهران فيما يتعلق باحتجاز الناقلة. وفي تغريدة على حسابه على التويتر، لمّح ترامب، إلى أن واشنطن مستعدة لحماية الناقلات هناك، شريطة أن تؤّمن التكاليف من طرف الدول المزودة والموردة للنفط في المنطقة، مثل الصين واليابان.
وفي السياق ذاته عرضت الولايات المتحدة خطتها بشأن حماية السفن في مضيق هرمز وباب المندب قبالة السواحل الإيرانية واليمنية. ووفقا للخطة، فإن واشنطن على استعداد لتكليف سفنها الحربية بمسؤولية تنسيق العمليات في المنطقة. في المقابل يتحمل حلفاؤها وشركاؤها، الذين ينقلون بضاعتهم عبر المضيق، التكاليف المالية لمرافقة السفن التجارية. وقد نالت الخطة الأمريكية في المقام الأول استحسان السعودية.
حيال هذا الشأن، أكدت واشنطن أن هذه الخطة لا تستهدف طهران، وإنما تهدف إلى تغيير سلوك القيادة الإيرانية. وقد ارتأى العديد من الحلفاء الأمريكيين التحفظ على موقفهم بشأن المقترح الأمريكي. ووفقا لوسائل الإعلام البريطانية، رفضت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، المقترح الأمريكي خوفا من اعتباره دعما لموقف ترامب الصارم تجاه إيران.
مقترح لندن حظي بدعم كبير
مقارنة بمقترح واشنطن. ومن جانبه، أكد وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، أن
الرؤية البريطانية للوضع تتعارض مع المبادرة الأمريكية المتمثلة في ممارسة أقصى
ضغط على إيران. ووفقا لوكالة رويترز، إلى جانب فرنسا، دعمت كل من الدنمارك
وإيطاليا وهولندا المقترح البريطاني، بينما ذكرت ألمانيا وإسبانيا وبولندا والسويد
أنها بصدد النظر في المقترح.
وبينما تفكر أوروبا والولايات المتحدة في كيفية حل الأزمة مع
إيران واستعادة النظام في الخليج العربي عن طريق تحالف عسكري بحري، أعلنت روسيا عن
مقترح جديد للأمن الجماعي في الخليج العربي. فقد اقترحت موسكو إنشاء منظمة للأمن
والتعاون في منطقة الخليج مماثلة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي من
المتوقع أن تشمل بالإضافة إلى دول المنطقة مراقبين من روسيا والصين والولايات
المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند والأطراف المعنية الأخرى.
الاقتراح الروسي المتعلق بتطوير نظام أمن جماعي في الخليج العربي ليس الأول من نوعه، حيث طرحت أفكار مماثلة في أواخر التسعينيات، عندما كان الغزو الأمريكي يهدد سماء بغداد، وفي بداية الألفية الثالثة. وفي سنة 2007، ركزت روسيا على تنظيم حوار بين الدول العربية في الخليج العربي وإيران.
موسكو تعتقد أن تنفيذ
المقترح يجب أن يبدأ بالكفاح ضد الإرهاب وتسوية النزاعات الإقليمية، بما في ذلك
النزاع حول البرنامج النووي الإيراني. في هذا الصدد، نشرت وزارة الخارجية الروسية
على صفحتها الخاصة أن “توحيد جميع القوى المهتمة بالقضاء على بؤر الإرهاب في
الشرق الأوسط، وضمان تسوية سياسية مستدامة في سوريا، واليمن، وبلدان أخرى في
المنطقة، بمثابة أولوية قصوى وجزء من تحالف موحد لمكافحة الإرهاب”.
ووفقا لمستشار رئيسة مجلس الفيدرالية الروسية، أندريه باكلانوف،
الذي شارك في العديد من المفاوضات بشأن إنشاء نظام أمن جماعي في الشرق الأوسط، فإن
كيفية تطوير آلية مراقبة للوضع العسكري والسياسي والتغلب على التناقضات بشكل سلمي،
تعد من إحدى أصعب القضايا التي يجب حلها. ويعتقد هذا الدبلوماسي أن الأحداث التي
عاشتها المنطقة في السنوات الأخيرة قد تدفعها نحو تعاون أوثق.
تعتقد موسكو أن حل المشاكل في منطقة الخليج العربي سيؤدي إلى
استقرار الوضع في الشرق الأوسط ككل. بالإضافة إلى ذلك، لم يتغافل المفهوم الأمني
الجديد لروسيا عن المشكلة التقليدية للشرق الأوسط، وهي الصراع الفلسطيني
الإسرائيلي. وفي الواقع، نما دور روسيا ومستوى تفاعلها مع ممالك الخليج العربي، في
المنطقة بشكل كبير، ما غيّر مكانتها على الساحة الدولية.
مستوى نجاح المقترح الأمني الجديد الذي قدمته روسيا سيساعد على
تقييم الإنجازات التي حققتها روسيا في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، واكتشاف
المهارات التي اكتسبتها من الحملة العسكرية والدبلوماسية في سوريا، والآليات
المتوفرة لديها، وقدرتها على كسب شركاء جدد من الخليج العربي.