بقلم: ماجد السامرائي – صحيفة “العرب” اللندنية
الشرق اليوم- رغم ما يشاع عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من كونه ينقاد إلى حدسه ومزاجه الشخصي المتقلب إلا أن ذلك يمثل جزءا يسيرا من المهمة الدستورية للرئيس الأميركي، فهو يتعامل مع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بهذه النسبة الصغيرة والتي تبدو وكأنها الكل.
هذا التوصيف الناقد لطريقة أداء ترامب هو جزء من شغل الماكينة الإعلامية لغريمه اللدود الحزب الديمقراطي. لكن الواقع يشير رغم الانطباع السائد عن سلوكه السياسي، إلى أنه لم يخرج عن التزاماته في الحملة الانتخابية بخصوص إنهاء الاتفاق النووي مع إيران والذي كان المحور الأساسي في سياساته الخارجية، مع حرصه الشديد على عدم توريط الولايات المتحدة في حروب خارجية لأن أمامه المثال المفزع في تورط الرئيس الأسبق جورج بوش في احتلال العراق، مثلما فعله سلفه باراك أوباما مع أن قرار بوش احتلال العراق لم يكن لتهديد نظامه للمصالح القومية الأميركية، وقصة تدمير أسلحة الدمار الشامل والحصار الكلي على شعب العراق بين عامي 1991 إلى مطلع عام 2003 كانت كافية لترك مصير هذا النظام بيد شعبه، وليس تنفيذ قرار تغييره عبر الاحتلال وتدمير جميع مقومات دولته وتسليمه لمعارضين أغلبهم تابعون لنظام ولي الفقيه الإيراني، ما يثير الكثير من الألغاز حول جدية عداء واشنطن لطهران إلا إذا كانت الرغبة هي تأديب المتمرد الذي خرج عن الدائرة المسموح بها عبر العقوبات الاقتصادية.
وفق السياقات الدستورية الأميركية فإن الفاصلة الوحيدة التي تتيح للرئيس استخدام القوة هي تعرض الولايات المتحدة ومصالحها في الخارج للخطر، لكن ترامب أضاف لها عبارة ومصالح حلفاء أميركا في المنطقة، وفي هذا السياق يكون الهامش كبيرا لتوجهات الرئيس في التعبير عن الرد على المخاطر.
ورغم أن النظام الإيراني لم يغيّر سياسته التخريبية والتوسعية في المنطقة إلا أن أوباما وجد في الاتفاق النووي مع إيران وسيلة لتخفيف مخاطرها، لكنه في الواقع منحها المال وحركة المناورة والعمل على تحقيق هدف انتزاع مكانة الأقوياء الكبار بعد احتلالها لأربع عواصم عربية وأخذت تناور بهذا الواقع الذي كان ناتجا عن احتلال العراق.
لا توجد رغبة أميركية في تغيير النظام رغم أن مخاطره على المنطقة أصبحت عمليا تتجاوز جميع معايير الدول التقليدية بتصعيد سلوكه المهدد للأمن القومي والدولي، والموجود من ملفات داخل مؤسسات القرار (البنتاغون والبيت الأبيض والخارجية والمخابرات) لا يتجاوز اللعب بالعقوبات الاقتصادية، وهذا ما يضع ترامب في حيرة أمام غطرسة نظام طهران، وحتى أولئك المتشددون الأميركان ضد إيران داخل الكونغرس، وهم قلة، يترددون كثيرا في استخدام تعابير حادة للتعاطي مع الأزمة الأخيرة التي أشعلها النظام الإيراني في مياه الخليج بهجوماته المتكررة على السفن التجارية النفطية العالمية كتنفيذ لاستراتيجة الرّد على عقوبات واشنطن بما سمي “تصفير” صادراته النفطية.
تصريحات عضو مجلس الشيوخ، ليندسي غراهام، قبل أيام كانت مختلفة من حيث التعبير عن طلب المواجهة العسكرية حيث طالب ترامب بأن يكون صارما في الرد على صخب إيران في الخليج العربي مقترحا “إغراق سفن من البحرية الإيرانية ومهاجمة إحدى مصافي التكرير الإيرانية”، بعد تأكيد ترامب أن إيران هي من ضربت البواخر. وقال غراهام إن “الإيرانيين يختبرون الرئيس ترامب بعد أن خرج من الاتفاق النووي وفرض عقوبات قاسية على إيران وتسبب في تهديد اقتصادها”. سانده في هذا الرأي الجنرال الأميركي نائب رئيس الأركان السابق جاك كين الذي اقترح البدء بإرسال مرافقين من العساكر البحريين مع الشحن التجاري في مضيق هرمز، والأكثر ردعا حسب رأيه هو إغراق البحرية الإيرانية معيدا إلى الذاكرة عملية “فرس النبي” في عهد الرئيس الأسبق رونالد ريغان، وهو هجوم وقع في 18 أبريل 1988 شنته القوات الأميركية داخل المياه الإقليمية الإيرانية ثأرا لتلغيم إيران الخليج العربي أثناء الحرب الإيرانية العراقية وإصابة سفينة حربية أميركية.
ظل ترامب يلعب بقدراته الخطابية ذات الإيقاعات المتعددة، فإلى جانب قراراته بنشر القوة العسكرية في الخليج ومواصلة العقوبات الخانقة، تبادل مع الإيرانيين رسائل ناعمة داعيا إلى المفاوضات إلى درجة أوحى بها وكأنه حبيب الإيرانيين “لا نريد إيذاء إيران”، لكنها رسائل الإذعان الإيراني بلا حرب عسكرية، فهمها كذلك علي خامنئي وردّ عليها خلال تواجد رئيس الوزراء الياباني في ضيافته كمبعوث الحوار حيث تم تفجير البواخر النفطية وبينها اليابانية في خليج عمان في عملية كانت بصمات طهران واضحة عليها، معتقدا أنها الطريقة التي تعطيه إمكانية اللعب في المفاوضات، “نهدد السلم والأمن العالميين إن لم تفكوا عنا العقوبات”، لكنه سلاح الخاسر فالعالم لا يرضخ لتهديدات الخاطفين والمارقين على القانون الدولي. مع ذلك فالسارق يعتدّ بعدم مسكه متلبسا بالجريمة فيتمادى في السرقة، وهذا ما حصل في عدم تحديد المسؤولية عن اعتداء الفجيرة وعدم حصول رد على تهديد مصالح حلفاء واشنطن في أعمال حربية مثل ضرب مطار مدني سعودي بصاروخ باليستي بعيد المدى من قبل الذراع الإيرانية في اليمن، وأخيرا استهداف إمدادات النفط والطاقة في ممر حيوي يعبره يوميا حوالي 20 مليون برميل نفط.
الإيرانيون يزعمون أنهم يفهمون العقل السياسي الأميركي، ويتعاملون معه وفق ذلك، ولهذا فهم يبتزونه في أهم نقطة وهي أن الرئيس الأميركي، لا يتسرع في قرار الحرب التي تؤدي إلى ضحايا في الجنود الأميركان دون أن يقدم المبررات المقنعة لهذه التضحيات، كما أنه لا يريد خسارة التوازنات الانتخابية المقبلة، ولهذا يستخدم الزمن لصالح قراراته، وهو يعلم ممارسات النظام الإيراني وسبل تخريبه لأمن المنطقة والسلم العالمي، ولكن السؤال المهم موجه الآن إلى الرئيس ترامب؛ هل يحتاج إلى مزيد من العدوان العسكري على العالم وعلى أهل الخليج ليقرر التأديب؟ وهل سيبقى في إطار اللعب الاقتصادي الذي لا يردع نظام طهران، رغم ما يؤدي إليه من أذى على الشعوب الإيرانية وهو ما لا يهتم به الحاكم الإيراني، أم ينتظر تحقق الإجماع الدولي سياسيا وهو يعلم إلى أي درجة وصلت شعوب العالم من إحباط نتيجة السياسات المزدوجة والمنافقة للدول الأوروبية وروسيا، وهل حقيقة أن ألمانيا غير متيقنة بأن الهجوم الأخير تقف خلفه إيران؟ أم مصالحها التاريخية العميقة معها هي الدافع لهذا الموقف الانتهازي، أم روسيا اللاهثة خلف مصالحها في المنطقة وراء المطالبة بضبط النفس إلى حين الانتهاء من نتائج التحقيق، تلك الشبيهة بنتائج تحقيق استخدام نظام بشار الأسد للكيمياوي لكي يبقى الفاعل بعيدا عن الحساب.
إن تصريحات الإدانة من قبل ترامب لا تلوي ذراع النظام الإيراني، وسياسة ضبط النفس من دول الخليج يفسرها ذلك النظام ضعفا، ولهذا فإن على ترامب الخروج من حالة الحيرة أمام الغطرسة الإيرانية والانتقال إلى وضع بصمة جادة لتأديب المخربين لأمن المنطقة والعالم.