بقلم: فارس بن حزام – صحيفة الحياة
الشرق اليوم- بدت إيران متوترة جداً ما إن لاحت إشارة إلى إحالة برنامجها النووي على مجلس الأمن. هي ذاقت عقوباته المتواضعة، وتخشى أن يأتي ما هو أشد. وإذا كانت العقوبات الأميركية الأحادية أكثر قسوة، إلا أن صدور أي قرار من المجلس، يمثّل تأكيداً على الإجماع هذه المرة، وإنهاءً للعبث الأوروبي بمصير المنطقة.
إيران الخائفة جداً هذه الأيام، ترفع الصوت عالياً لإخفاء توترها، وتعيد أسلوبها السابق طوال سنوات التفاوض؛ بالتهديد والتلويح بالإنسحاب من أي اتفاق، موقنة من عدم نية الحليفين الصيني والروسي منع أي قرار يصدره مجلس الأمن؛ يعيد به تفعيل العقوبات ويزيدها بالجديد، إذ أنها رأت موقفهما مع الحليفة الشريرة الأخرى كوريا الشمالية، إذ لم يستخدما حق النقض في المجلس.
عاش ملف البرنامج النووي أوقاتاً ساخنة طوال عقدين، وبقيت الولايات المتحدة أكثر المتشددين ضده، وسعت إلى إنهائه عبر جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الأعوام الأولى، وعندما فشلت، أحيل على مجلس الأمن. أولى المحاولات كانت في عام 2003، عندما فشل مجلس الوكالة في فيينا في إجبار إيران على التعاون، ومع ذلك منع إحالة الملف على مجلس الأمن، على رغم الجهد الأميركي، وما ينصه قانون الوكالة الدولية حول إحالة الدول غير المتعاونة على المجلس.
وفي مطلع العام 2006، وافق مجلس وكالة الطاقة على إحالة إيران على مجلس الأمن. وبعد بضعة أشهر، صدر أول قرار يطالبها بتعليق أنشطتها. لم تستجب طهران، ففرض المجلس أولى العقوبات قبل أن ينتهي العام. وفي العالم التالي، عاقب كيانات وأشخاصاً على علاقة بالبرنامج النووي. وفي صيف العام 2010 عاد المجلس ليوسع عقوباته، فشملت كل ما من شأنه تطوير الصواريخ الباليستية، كما عاقب “الحرس الثوري”.
شاهد “نظام الملالي” ما جرى مع كوريا الشمالية، التي تعرضت لعقوبات أشد، وعاقبها مجلس الأمن مراراً، وفي أول سنة من حكم الرئيس ترامب، تضاعف العقاب. واليوم نجدها محرومة من النفط ومشتقاته، ومن الخشب والقوارب، ومن منتجات غذائية وكهربائية عدة، ومعرضة للإهانة من الجميع، إذ يحق لأي دولة إيقاف أي سفينة كورية شمالية في عرض البحر وتفتيشها. أما العقوبة اللافتة، فهي ترحيل كل العاملين الكوريين الشماليين إلى موطنهم قبل نهاية هذه السنة. عقوبة كهذه، كيف لها أن تصيب الإيرانيين؟
كل هذه الإجراءات الصارمة لم تعترض عليها الصين، على رغم أنها المصدر الأكبر لمعظم الصادرات إلى كوريا؛ لأنها ببساطة لا تريد مختلاً على حدودها. وكذلك الحال في الخليج العربي، فدوله لا تريد مختلاً يقف على أبوابها. ولذا ربما تلحق عقوبات مثيلة للكورية بإيران، في حال مضى ملف طهران إلى مجلس الأمن، ولم يعترض أي عضو كبير. والوضع الحالي يقول إن فرص الاعتراض محدودة، خاصة أن السنوات الماضية سجلت إجماعاً داخل المجلس على ردع التهور الإيراني، وكذلك مع نمو مصالح روسيا المستجدة في الشرق الأوسط، ودخول الصين أسواق المنطقة بكثافة، وسعيها إلى تحقيق حلم “طريق الحرير.”
واليوم، مع سعي واشنطن إلى إعادة ملف البرنامج الإيراني إلى طاولة المجلس، تكون بذلك ختمت المسار الديبلوماسي قبل استخدام القوة العسكرية.