ثلاثة مجالات وثلاثة محاور عراقية تحاول إيران اختراقها والتحكم بها في مواجهتها مع واشنطن، النفط وحزب الدعوة والجيش، وليس كل ذلك بغاية الحرب مع واشنطن، بل بهدف خلق واقع عراقي محرج لواشنطن.
بقلم: علي الأمين – العرب اللندنية
الشرق اليوم- في خطوة لافتة أعلنت شركة النفط الإيرانية افتتاح مكتب لها في العراق، بهدف تسهيل التعاون في مجال صناعة النفط ونقل الخدمات الهندسية والفنية إلى العراق، ويأتي هذا الإعلان غداة بدء المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران، والتي عنوانها تصفير صادراتها النفطية.
وفيما تؤكد أوساط عراقية قانونية، أن افتتاح المكتب لا يشكّل بذاته تحدّيا للعقوبات، طالما أن وظيفته استشارية ولا تتعداها إلى تصدير النفط الإيراني إلى العراق، إلا أن جهات عراقية نيابية، بدأت تُبدي قلقها من تداعيات العقوبات الأميركية على إيران، وما يسببه ذلك من نشاط إيراني تصفه هذه الجهات بالخطير، فإيران التي تتمتع بنفوذ لا يستهان به في العراق، بدأت بإستثمار هذا النفوذ للحدّ من آثار الحصار الذي تعانيه، عبر تحميل العراق جملة أعباء سياسية واقتصادية، في سياق اعتبار العراق معبراً لتوجيه الرسائل المتنوعة إلى الحكومة الأميركية.
ثمة مجالات عديدة بدأت طهران تستعد لإعتمادها داخل العراق، الأول يتمثل في ملف النفط. كيف يمكن لإيران أن تستخدم هذا الملف لصالحها؟
حسب المعلومات فإن الخطة الإيرانية تتركز على خفض إنتاج النفط العراقي، فالعراق الذي ينتج نحو أربعة ملايين برميل يومياً، ويعمل منذ مدة على رفع مستوى إنتاجه إلى ستة ملايين برميل، أي الحصة التي يقول المسؤولون العراقيون إنها حصة بلادهم المقررة من سوق النفط العالمي. ما يثير المخاوف لدى نخبة سياسية عراقية، هو أن إيران التي شككت عبر وزيرها للنفط، بقدرة البعض العواصم العربية، على تعويض النقص العالمي من النفط الإيراني، ستعمل على منع العراق من زيادة صادراته النفطية، بل ستتجه إلى خفض قدرة العراق على التصدير من أربعة ملايين إلى ثلاثة ملايين وربما أقل، حيث يمكن لإيران أن تقوم بهذه الخطوة عبر أذرعها العراقية، لتعطيل مصافي النفط أو عمليات النقل، وغير ذلك من وسائل قد تعتمدها إيران لتظهير كلفة منعها من تصدير نفطها.
مجال ثانٍ ليس جديداً، لكنه اتخذ بُعداً يتسم بالأولوية والجدية في السياسة الإيرانية داخل العراق، فإيران التي نجحت في تقسيم عدد من الأحزاب الشيعية، وشجعت على تفريخ مجموعات ميليشياوية وحزبية، من التيار الصدري الذي انشقت منه عدة مجموعات بدعم إيراني مثل عصائب أهل الحق وغيرها، وصادرت المجلس الأعلى الذي قاده عمار الحكيم، الذي أسس تيار الحكمة بعدما خرج المجلس عن سلطته بسبب الدعم الإيراني، وعملت على شق المجموعات العربية السنية بحيث نجحت في شق صفوف أحزابها ودعمت مجموعات تابعة لها صارت في البرلمان والحكومة. اليوم تعيد إيران حياكة قيادة جديدة لتنظيم حزب الدعوة العراقي بما يتناسب مع مصالحها.
وفي معلومة دقيقة ورد أن إيران تحاول مجددا السيطرة على حزب الدعوة من خلال أذرعها الإستخبارية. طهران ترى في حزب الدعوة حركة إسلامية تاريخية ومهمة يمكن الاستفادة منها وقت الحاجة. ولكن حزب الدعوة تاريخياً له قراره المستقل ولم يخضع للقرار الإيراني، وذلك بوجود قيادات تاريخية قديمة في الحزب لها رؤية في توجهات حزب الدعوة بعيدا عن التأثيرات الخارجية.
التوجّه الإيراني الجديد يتمثّل في إبعاد القيادات الحالية للحزب وجلب قيادات خلقتها الأذرع الاستخبارية لإيران للسيطرة عليه. وإحدى أهم هذه الشخصيات هو طارق نجم الشخصية الغامضة الذي كان بعيدا عن حزب الدعوة لسنوات، وبرز مؤخرا وبشكل مفاجئ كقيادي في “الدعوة”، وذلك من خلال ترؤسه لمكتب نوري المالكي عندما كان رئيسا لوزراء العراق.
ومع أن أجهزة استخبارية إيرانية تصنّف طارق نجم على أنه صاحب علاقات وطيدة بجهات استخبارية غربية وبريطانية على وجه الخصوص، كما أن عمق علاقاته الشخصية بالأكراد خصوصا مسعود البارزاني يثير أكثر من علامة استفهام حول علاقات ذلك بالإسرائيليين تبعا للعلاقة الحميمة التي تجمع البارزاني بإسرائيل.
ولكن مع ذلك فإن الإيرانيين وطّدوا علاقتهم بطارق نجم، إلى درجة أن أكثر رؤساء الأجهزة الاستخبارية الإيرانية يمكثون في منزل طارق نجم عند زيارتهم لبغداد، وقد أسسوا أجهزة اتصالات دقيقة في منزله للحؤول دون حصول أي عمليات تنصت من خارج الإيرانيين، فيما يتحرك نجم ضمن إطار حماية أمنية تديرها أجهزة إيرانية.
فهو في الوقت الذي لا يتحمس لعمل حزب الدعوة ونشاطاته، إلا أنه يتحرك بكل حرص وحماس للسيطرة على مرافق الحزب وتنظيماته ويصور نفسه بأنه قريب من كل قيادات الحزب وهو في الواقع يعمل على إبعادهم جميعا، ذلك أن السيطرة الإيرانية على الأحزاب العراقية تقوم على فكرة الإتيان بشخصيات تكتسب حضورها وفعاليتها من الدعم الإيراني وليس من أي شرعية تاريخية أو تأسيسية، بمعنى أن وجودها قائم على الدعم الإيراني فقط لا غير.
مجال ثالث وأساسي في محاولة إيران ترسيخ نفوذها في العراق، وهو مشروع المجلس العسكري، الذي تدفع إيران لتأسيسه عبر أدواتها في العراق، بغاية زعزعة موقع الجيش واختراقه. فالحشد الشعبي الذي تسيطر إيران عليه وتمسك بمفاصله، لم يستطع رغم تشريعه، هزّ موقع الجيش الذي يعود إليه الفضل الأول في تحرير العراق من تنظيم داعش، وهو المؤسسة العراقية التي لم تستطع إيران اختراقها، وقد كانت حصانة الجيش وديمومته أحد أسباب غضب قاسم سليماني وقيادة الحرس الثوري من رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، الذي عمل على منع تسلل الميليشيات إلى مراكز القيادة فيه، ورفض تأسيس مجلس عسكري الغاية منه إدخال المحاصصة الحزبية والطائفية إلى المؤسسة العسكرية.
من هنا فإن ضغط القيادة الإيرانية لإصدار قانون ينشئ المجلس العسكري على رأس قيادة الجيش يهدف إلى تحويله إلى مجلس جنرالات يجري تعيينهم من قبل أطراف السلطة وأحزابها والكتل النيابية، وهذا كفيل بأن تصبح إيران صاحبة قرار فيه، وهو ما ليس قائما اليوم.
ثلاثة مجالات عراقية تحاول إيران اختراقها في مواجهتها مع واشنطن، النفط وحزب الدعوة والجيش، وليس كل ذلك بغاية الحرب مع واشنطن، بل بهدف خلق واقع عراقي محرج لواشنطن، لاسيما أن إيران التي أعادت ترميم علاقتها مع الأكراد، واخترقت البيئة السنية، تحاول الإمساك بالورقة الشيعية من خلال السيطرة على حزب الدعوة، في محاولة لتهميش القيادات التي أظهرت مستوى من الاستقلالية عن النفوذ الإيراني، والغاية الإيرانية إعادة فرض حوار مع واشنطن ولو بواسطة أدواتها العراقية على حساب مصالح العراق.
في هذا الوقت يعاني مقتدى الصدر من إرباك وتشتت في الموقف، برز ذلك بشكل واضح في موقفه الأخير، من خلال هجومه على ملك البحرين ورئيس النظام السوري، في وقت يبدو فيه عاجزا عن اتخاذ موقف عراقي واضح بشأن التطورات الإيرانية الأخيرة.
في المقابل ثمة محاولة جادة تعكس وجود مقاومة عراقية لمشروع إضعاف العراق وإغراقه في وحول الأزمة الإيرانية، ويشكّل رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم نواتها التي تلقى دعما من النجف، ومن شخصيات عراقية باتت تدرك أن التماهي مع الموقف الإيراني يعني تدهور أحوال العراق السياسية والأمنية والاقتصادية.