بقلم: د. ماجد السامرائي – العرب اللندنية
الشرق اليوم- قد يسأل مواطن عراقي بسيط ما زالت جروح الحروب والصراعات الدموية ترسم على جسمه وضميره خارطة الألم: إذا كانت هناك معركة سياسية إيرانية – أميركية قد تقود إلى صدام عسكري، فما شأن العراقيين بذلك؟ هل لأن بلدهم جار لإيران؟ أليست هناك بلدان أخرى مجاورة لإيران لكنها لا تعيش ما يواجهه الوضع العراقي من مخاطر مثل تركيا وأذربيجان وأفغانستان وباكستان؟ أليس الأحرى بالعراق أن يكون أكثر بلدان العالم بعداً عن هذا الصراع؟
الجواب بسيط بساطة التساؤل نفسه، هو إن الجيرة ليست هي السبب في هذه الإشكالية الجيوسياسية وضبابية المواقف التي يلجأ إليها الحاكم العراقي الآن، وإنما العلاقة الأيديولوجية بين نظام العهد العراقي الحالي وبين نظام طهران هي وراء الصعوبات الحالية والمستقبلية التي ابتلي بها العراقيون.
ولو افترضنا بذات البساطة أن من يحكم العراق نظام مدني ديمقراطي، يحتفظ بعلاقات حسن الجوار والصداقة لاختارت دبلوماسيته أذكى وأرقى المواقف الحافظة لأمن العراق وسلامة شعبه، وبذات البساطة التي يتساءل فيها العراقي يصعب توقع مواقف سياسية عراقية تبعد شبح الإضطرابات المقبلة، حيث ساحتها الساخنة ستكون العراق، والتي تحاول حكومة عادل عبدالمهدي، عدم التصريح بها وتسعى إلى الذهاب للعموميات المربكة وغير المخلّة بمستوى العلاقة مع واشنطن والحميمية مع طهران، وتترك للقوى السياسية الحزبية ومنابرها الإعلامية الكثيرة لكي تصدر مواقف ذات نبرة عالية منحازة إلى طهران ورافضة للعقوبات الأميركية المتلاحقة.
مع ذلك، من الصعب على المشهد السياسي العراقي أن يظل في المنطقة الرمادية ويظل مكبلا بالإرتهان للجانب الإيراني. فقرات الخطاب السياسي والإعلامي للأحزاب والقوى الحاكمة، خصوصاً الموالية لطهران، متقطعة ومرتبكة ورديئة التوصيل للجمهور العراقي أولا، وللرأي العام السياسي ثانياً، مثل “الوقوف بوجه حملة العقوبات الأميركية والتنديد بقرارات واشنطن ومواقفها اليومية من النظام الإيراني، ومحاولة التلويح بقوة الحشد الشعبي بوجه المؤامرة”، حسب تصريحات قادته الأخيرة إلى المنازلة العسكرية حتى خارج الحدود، مع أن الظروف تتطلب خيار الإنحياز إلى مصالح العراق العليا.
من أمثلة ذلك، وضمن المعارك السياسية والإعلامية الأخيرة بين طهران وواشنطن، صدرت تعقيبات نارية بعد التغريدة الأخيرة للسفارة الأميركية ببغداد التي أشارت فيها إلى أن “ثروة مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي بلغت 200 مليار دولار”، حيث استفزت بعض الأحزاب والكتل وأبرز تعقيب ظهر من الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي طالب في بيان له ب “غلق السفارة الأميركية ببغداد”، وهي ليست المرة الأولى التي تصدر فيها هذه المطالبة، حيث سبق له أن قدم نفس الطلب عام 2017، إثر قرار الإدارة الأميركية نقل سفارتها للقدس، كما طالب بغلق السفارة البحرينية ببغداد عام 2013، دعما لأحد رجال الدين البحرينيين، إلى جانب مطالبته الآن بتنحي حكام البحرين وسوريا واليمن عن السلطة، وطالب تحالف “فتح” بقيادة هادي العامري، الخارجية العراقية بطرد القائم بالأعمال الأميركي جوي هود، وتسابق بعض النواب في خطاباتهم المؤيدة للولي الفقيه الإيراني والمستنكرة للإعلان الأميركي، وذهب أحد البرلمانيين إلى اعتبار “هذه التصريحات تدخلا سافرا في الشأن العراقي ومرفوضة جملة وتفصيلا”، مطالبا الحكومة العراقية بـ”اتخاذ إجراءات رادعة بحق السفارة”. هذه المواقف الحزبية توضح إلى أية درجة يتقدم فيها الموقف الولائي على الموقف الدبلوماسي المتوازن.
المواقف الحزبية توضح إلى أية درجة يتقدم فيها الموقف الولائي على الموقف الدبلوماسي المتوازن.
وزير الخارجية العراقي، طلب استدعاء السفير البحريني والقائم بالأعمال الأميركي، على خلفية التصريحات الأخيرة، ويبدو أن رئاسة الحكومة مدركة أن أي تصعيد رسمي من قبلها ضد واشنطن، سيفتح عليها أبواباً مؤذية، ورئيس الحكومة يعلم أن تطورات الصراع الأميركي – الإيراني قد تصل إلى نقطة تقديم العراق لخسائر تضيف إليه نكبات جديدة، بسبب الإنحياز إلى إيران، في وقت يحتاج فيه العراق إلى محيطه الخارجي العربي والولايات المتحدة وأوروبا.
وضمن مناخ التصعيد الإعلامي والحرب النفسية الأميركية ضد نظام طهران، تكثفت تصريحات المسؤولين الأميركان المقيمين والزائرين لبغداد، حيث طالب عضو الكونغرس الأميركي ميت رومني، بعد مقابلته لعادل عبدالمهدي بأن “لا يدار العراق من أية دولة وخاصة إيران”.
وقبله بأيام كانت تصريحات القائم بالأعمال الأميركي ببغداد جوي هود، أكثر شدّة وحذّر الحكومة العراقية من دعم إيران، بل هدد بأن بلاده قد تفرض “إجراءات دبلوماسية” على العراق، في حال لم يلتزم بالعقوبات المفروضة على إيران.
إن قواعد اللعبة السياسية في إيران والعراق والمنطقة قد اختلفت في عهد الرئيس ترامب، ولا أحد عليه أن يراهن على زمن بقائه في البيت البيض فقد تجدد الرئاسة له وفق مقاييس الناخب الأميركي.