بقلم: نظير النداوي
رغم أنَّ حادثة انقلاب العبَّارة في نهر دجلة بمدينة الموصل، وغرق ما يفوق على مئة شخص فيها، لم تكن أولى الفواجع التي شهدتها الموصل، لكن الشيء الجديد في هذه الفاجعة هو التعامل والتفاعل الشعبي من أهالي الموصل معها، ومن خلفهم كل الشعب العراقي، حتى وصل الأمر بهم للحديث بشكل علني وصريح عن المسبب الحقيقي بحصول تلك الفاجعة وغيرها من الفواجع، مما انعكس على ردود فعل الحكومة إزاء ذلك الحراك الشعبي الذي ترجم على شكل قرارات حكومية وبرلمانية، صحيح أنها لم تكن بالمستوى الذي يطمح له الناس، لكنها تبرز حقيقة أهمية الحراك الشعبي في تحصيل الحقوق والضرب على أيدي الفاسدين.
بعد حادثة انقلاب العبَّارة وغرق الضحايا، امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بمدونات تستنكر الذي حدث ونشرت فيديوهات لمواطنين يفضحون الفاسدين ويطالبون بمحاسبتهم، للدرجة التي أوضحت للجميع أن الناس واعية لما يحدث من حولها من مكائد وعمليات فساد واسعة النطاق، وجعل هذا الحراك الشعبي من النظام السياسي الفاسد عاريًا لا يجد ما يواري به عورته أمام الجماهير، ولولا أن الجماهير تُحكم بالحديد والنار، لما سَلِم أولئك السياسيين الفاسدين من غضبة الجماهير وانتقامهم.
الحكومة والبرلمان العراقيين وعلى إثر هذا الحراك الشعبي، اضطرا لاتخاذ بعض الخطوات لامتصاص زخم الغضبة الجماهيرية
وبسبب أن الموصل خرجت توًا من حرب شديدة دارت رحاها بين عصابات داعش من جهة والجيش الحكومي ومليشيات الحشد من الجهة الأخرى، فإن المواطنين يخشون أي حراك يقومون به، لكي لا يتم اتهامهم بأنهم من أنصار داعش، تلك التهمة الجاهزة لأي شخص يقف أمام مصالح الطبقة السياسية الفاسدة أو مصالح المليشيات المجرمة، لكن الفاجعة التي حدثت بغرق أولئك الأبرياء بنهر دجلة، حطمت حاجز الخوف وأخرجت الجماهير من صمتها لتعبر عن معاناتها التي تعيشها يوميًا.
وكان لصدق هذا الحراك الأثر الكبير على أبناء محافظات الجنوب وجعلهم ينضمون له، ويعبرون عن رفضهم لهذا الفساد الذي راح ضحيته العشرات من الأبرياء، لقد استقر في وعي الجماهير العراقية من شمالها لجنوبها أن الداء واحد والوجع واحد، ومشكلتهم مع أولئك السياسيين الفاسدين فاقدي الإرادة السياسية البائعين لانتمائهم الوطني للأجنبي، هو سبب وجعهم وسبب معاناتهم.
ومن هذا فإن تضامن الجماهير، كل الجماهير العراقية، هي المنطلق للخلاص من حالة البؤس التي تعيشها في مختلف المحافظات، وهي السبيل الوحيد للتخلص من النظام السياسي الفاسد الجاثم على صدورهم.
لقد رأينا الحكومة والبرلمان العراقيين وعلى إثر هذا الحراك الشعبي، اضطرا لاتخاذ بعض الخطوات لامتصاص زخم الغضبة الجماهيرية، ورأينا رئيس الوزراء عادل عبد المهدي يأمر بتشكيل خلية أزمة لإدارة محافظة نينوى، وأوصى بإقالة المحافظ ومعاونيه، والبرلمان بدوره استجاب لطب عبد المهدي بإقالة المحافظ ومعاونيه، وبنفس الوقت وافق رئيس البرلمان محمد الحلبوسي على طلب مقدم من 120 نائبًا لإقالة مجلس محافظة نينوى المتواطئ مع المحافظ الفاسد.
كما قامت هيئة النزاهة بخطوة لم نكن نرى لها مثيل في الفترات السابقة، فألقت القبض على خمسة موظفين كبار بمحافظة نينوى متورطين بعمليات فساد كبرى بالمحافظة، وتقديمهم للمحاكمة، بل إنهم قرروا الاستجابة الفورية لمطالب المعتصمين في ساحة التحرير، من المفسوخة عقودهم، رغم تجاهلهم طيلة الفترة التي كانوا معتصمين فيها.
رغم أن محافظة نينوى والعراق كله يعيش آلام الفاجعة التي حدثت في الموصل، فإن الكتل السياسية في هذه المحافظة لم تستح أن تفتح بازارًا جديدًا لبيع منصب المحافظ ونوابه
ورغم أن تلك الإجراءات التي قامت بها رئاسة الوزراء والبرلمان العراقي وهيئة النزاهة، لن تقطع دابر الفساد وتحول حال المحافظة من هذا الحال السيء إلى أفضل حال، فإنها خطوة يمكن البناء عليها لو تم إدامة زخم الرفض الشعبي للفساد المستشري بالمحافظة والعراق عامة، وإدامة الاحتجاجات عليها.
ورغم أن محافظة نينوى والعراق كله يعيش آلام الفاجعة التي حدثت في الموصل، فإن الكتل السياسية في هذه المحافظة لم تستح أن تفتح بازارًا جديدًا لبيع منصب المحافظ ونوابه، ولم يغب النظام الإيراني عن هذا المشهد وهذا البازار لبيع تلك المناصب، فهو يدفع حاليًّا وبكل قوة لوصول المحسوبين عليه إلى تلك المناصب، مثل منصور المرعيد القيادي في حركة عطاء التابعة لفالح الفياض المقرب من طهران.
إن أول الغيث قطرة، ولهذا فإن من الواجب على شباب الموصل وجميع شبابنا في العراق، الخروج إلى الشوارع للتظاهر والاعتصام وتفعيل مواقع التواصل الاجتماعي، رفضًا لما يدور من فساد في هذا الوطن الحبيب، وإدامة الحراك حتى تحقيق المطالب، وهذا الضغط الجماهيري لا بد أن يؤتي أكله، وعلى أهلنا بجنوب العراق أن لا ينتظروا الصيف وحره لكي يخرجوا للتظاهر، فالشتاء ليس بأقل سوءًا من الصيف، وهم يغرقون حاليًا بالسيول.
هناك من يحاول أن يثبط جهود الجماهير عن حراكها، بدعوى أن حل مجلس المحافظة يحتاج إلى أن يقدم ثلث أعضاء مجلس النواب طلبًا بهذا الخصوص
إن ما يفترض على الجماهير وفي جميع المحافظات، أن تعتصم أمام مباني المحافظين ومباني مجالس المحافظات والمطالبة باستقالتهم فورًا وتقديمهم جميعًا للمحاكمة، والمطالبة بخروج مليشيات الحشد الشعبي من المناطق التي يسيطرون عليها، وإلغاء مكاتبها الاقتصادية التي تنهب الوطن والمواطن، وليعلم الشعب العراقي أنه لا خلاص لهم من الهوان الذي يعيشون فيه سوى بحلول نابعة من الشعب لا أن تأتيهم من الخارج، وربما تكون حادثة غرق هؤلاء الأبرياء في نهر دجلة الشرارة التي تشعل النار بكل الفاسدين وتأتي بالتغيير المنشود.
هناك من يحاول أن يثبط جهود الجماهير عن حراكها، بدعوى أن حل مجلس المحافظة يحتاج إلى أن يقدم ثلث أعضاء مجلس النواب طلبًا بهذا الخصوص، وما موجود اليوم هو طلب موقع من 120 نائبًا في مجلس النواب، وأقول، متى راعى أولئك الفاسدين، القوانيين الدستورية في تعيين أو إقالة من يريدون تعيينه أو إقالته، فرئيس الوزراء نفسه لم يأت لمنصبه بطريقة قانونية، حيث ينُص الدستور على وجوب أن يكون مرشح رئيس الوزراء من الكتلة الأكبر بالبرلمان، لكن عبد المهدي جاء بتوافق من الكتل الكبيرة، رغم أنه لم يكن مرشحًا، ولم يأت بانتخابات، ولا ينتمي لأي كتلة سياسية.
هناك من يقول إن الحل الأمثل لمشاكل محافظة نينوى أن يحكمها حاكم عسكري، إن الحاكم العسكري إذا جاء فقط ليدير مرحلة انتقالية لحين انتخاب المحافظ فهو شيء مقبول، أما أن يكون الحاكم العسكري هو الحل، فهذا يعني إقرار من النظام السياسي الحاليّ، بأن النظام الديمقراطي الذي يتبنوه فشل فشلًا ذريعًا
على المتظاهرين أن يصروا على أن يكون منصب المحافظ بالانتخاب المباشر من الشعب، لا أن يأتي من خلال توافق الكتل السياسية داخل مجالس المحافظات، فالطامة الكبرى في ذلك، لأنه سوف يأتي محافظ ينفذ مصالح الأحزاب التي نصبته، يجب أن يكون المرشح لهذا المنصب غير منتمٍ لأي حزب من الأحزاب التي سبق لها أن شاركت بإدارة الحكومة المحلية وثبت فسادها، بل يفضل أن يكون من غير الحزبيين في الفترة الحاليّة نظرًا للتجربة المأساوية للأحزاب في إدارة شؤون البلد.
وهناك من يقول إن الحل الأمثل لمشاكل محافظة نينوى أن يحكمها حاكم عسكري، إن الحاكم العسكري إذا جاء فقط ليدير مرحلة انتقالية لحين انتخاب المحافظ، فهو شيء مقبول، أما أن يكون الحاكم العسكري هو الحل، فهذا يعني إقرار من النظام السياسي الحاليّ، بأن النظام الديمقراطي الذي يتبنوه فشل فشلًا ذريعًا، وأنهم يعودون إلى النظام العسكري في إدارة البلد، رغم إن واقع الحال يبدو كذلك للعيان.
أما فيما يخص المليشيات ووجودها بالموصل وباقي المدن العراقية، فهي تحاول أن تدافع عن وجودها ومصالحها، باتهام من يريد إخراجها بأنه ينفذ أجندة أمريكية لإخراج الحشد من المدينة، وهي حجة لم تعد تنطلي على الجماهير، والواجب على الجماهير، الإصرار على إخراج الحشد من المدينة، وإخراج كل ما يرتبط بهم من مكاتب اقتصادية وشبكات نفعية تعمل لصالحها.
المصدر: نون بوست