بقلم: نظير الكندوري
لم تنته المحاولات الإيرانية في إرساء أسس الطائفية في المجتمع العراقي عند حدٍ ما، إنما هي عملية مستمرة وبأشكال مختلفة، شهدها العراق خلال الـ16 سنة الماضية، تطهير طائفي وتهجير المناطق من ساكنيها الأصليين، وتحطيم حواضرهم، وأخيرًا يتم العمل الآن على التقسيم الإداري والجغرافي للمحافظات العراقية على أساس طائفي.
ويبذل النظام الإيراني جهدًا في الوقت الحاليّ، وبعد أن انتهى من تحطيم حواضر السنَّة في الأنبار والموصل، للقيام بجريمة جديدة، يريد من خلالها، إعادة رسم خرائط المحافظات العراقية واستحداث محافظات جديدة، بطريقة تصب بخدمة أجندته الطائفية والسياق الذي يعتزم تنفيذه السنين القادمة، والهدف المنشود منه هو الانتهاء من صبغ البلد بصبغة طائفية واحدة، يضمن من خلاله ولاء البلد بالكامل، ومن غير المستبعد أن يضم العراق مستقبلًا إلى إمبراطوريته التوسعية، باسم وحدة الدين والمذهب.
سربت الأخبار عن الذي تم تداوله في ذلك الاجتماع، وهو إمكانية جعل مدينة سامراء (التي تحوي مراقد أئمة للشيعة) كمحافظة دينية جديدة، بعد ضم مدن أخرى حولها هي بلد والدجيل
الذي أثار هذا الموضوع هو الزيارة المشبوهة التي قام بها السفير الإيراني المثير للجدل إيرج مسجدي، إلى مدينة سامراء، إحدى مدن محافظة صلاح الدين، بحركة أقل ما يمكن وصفها بأنها انتهاك صارخ للسيادة العراقية وكسر للأعراف الدبلوماسية المتفق عليها دوليًا، قام خلالها بترؤس اجتماع ضم عددًا من المسؤولين الحكوميين على رأسهم محافظ صلاح الدين عمار جبر وقيادات أمنية وعدد من مديري الدوائر الحكومية.
تسربت الأخبار عن الذي تم تداوله في ذلك الاجتماع، وهو إمكانية جعل مدينة سامراء (التي تحوي مراقد أئمة للشيعة) محافظة دينية جديدة، بعد ضم مدن أخرى حولها هي بلد والدجيل، ذلك ما صرح به العديد من السياسيين مثل انتفاض قنبر رئيس حزب “المستقبل الدستوري العراقي”، الذي قال: “ما يحدث في محافظة صلاح الدين هو إعادة لتقسيم العراق على أساس طائفي، وربما يشمل في المستقبل، فصل الزبير عن البصرة والمناطق السنيَّة في بابل عن المناطق الشيعية”.
ما نراه من نجاحات إيرانية بهذا المجال في العراق، يتم العمل به حاليًّا في دمشق ومناطق عديدة من سوريا، ونفس الحال يتم العمل به في لبنان واليمن، بطريقة لا تختلف عما يفعله الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين
النظام الإيراني الذي غالبًا ما يعمد إلى تسقيط المناطق السنيَّة في العراق، وحتى في البلدان التي يتمتع فيها بنفوذ قوي، من خلال تكثيف الزيارات الدينية للمراقد الدينية الموجودة هناك، وحتى إن لم تكن موجودة، فإنه يقوم باستحداثها وينسج لها تاريخًا مزيفًا لتنطلي الخدعة على المغفلين، وتكثيف هذه الزيارات يجعل إيران متحكمة باقتصاد تلك المناطق، حينما يعتمد أهالي تلك المناطق في رزقهم على أولئك الزائرين، حتى إن السفير الإيراني نفسه ذكر أن عدد الزوار الإيرانيين للمراقد الدينية الشيعية في العراق، يبلغ 7 ملايين زائر سنويًا.
ثم تبدأ المرحلة الثانية بتوطين أصحاب ذلك المذهب، بحجة توافر فرص العمل، ومن ثم جعل تلك المناطق تدين للمذهب الشيعي طمعًا أو كرهًا، والوجود الأمني المستمر يعتبر عنصرًا فاعلاً في التغير الديمغرافي، كما هو الحال في مليشيا سرايا السلام التي تحتل مدينة سامراء، منذ ما يقارب الـ4 سنوات بحجة حمايتها من الإرهاب، وتعمل على تنظيم عمليات الاغتيال والإخفاء القسري للرموز السنيَّة بالمدينة، وخلق أجواء الرعب لدفع مواطني المدينة لتركها والهجرة منها.
ثم يبدأ العمل على تغيير جغرافية المدينة وشؤونها الإدارية، وما نراه من نجاحات إيرانية بهذا المجال في العراق، يتم العمل به حاليًّا في دمشق ومناطق عديدة من سوريا، ونفس الحال يتم العمل به في لبنان واليمن، بطريقة لا تختلف عما يفعله الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.
لماذا تسعى إيران لتشكيل محافظة في سامراء؟
بالإضافة إلى سعي إيران للتغير الديمغرافي في كل مناطق العراق، فإن لمدينة سامراء خصوصية، كون لها علاقة بالمصلحة الإيرانية، سواء عسكريًا أم تجاريًا، فالمؤمل أن يمر من خلال تلك المدينة، الطريق البري الرابط بين إيران وكل من سوريا ولبنان عن طريق العراق، والطريق القادم من الحدود الإيرانية مع محافظة ديالى، قطعوا شوطًا طويلًا في تأمينه، فهي تُدار حاليًّا بالكامل من اتباع إيران، ويهجر أهلها السنَّة بشكل ممنهج، ومن يُهجر منها لا يسمح بعودته إليها، بحجة أنه مطلوب أمنيًا، ومرورًا بمدينة سامراء ذات الغالبية السنيَّة، التي تحوي مراقد دينية شيعية، ويستمر الطريق ليمر بعد ذلك بمدينة تلعفر ذات الغالبية الشيعية، التي هي الأخرى يجري العمل على اقتطاعها من الموصل لتكون محافظة شيعية جديدة.
السفير الإيراني يحاول تشكيل مجاميع مسلحة من السنَّة في مناطق صلاح الدين والأنبار لغرض مقاومة الاحتلال الامريكي، وهي الحجة التي يعتقد أنها ستنطلي على العراقيين
هذا العمل إذا استمر وفق هذه الأجندة، فإن المناطق السنيَّة ستكون عبارة عن جزر غير مترابطة تمزقها المناطق المستحدثة بدعم إيراني بالعراق، وربما يستفيق العالم في المستقبل القريب على حقيقة أن لا وجود مؤثر وحقيقي للمكون السنَّي في العراق، وبهذه الأجندة سوف تقضي إيران على كل الفرص المتاحة لإعادة اللحمة الوطنية للشعب العراقي، وغايتها من ذلك، جعل البلد ضعيف وممزق لا يشكل خطرًا على النظام الإيراني، سواء الآن أم في المستقبل.
الأمر الآخر الذي تداوله مراقبون، أن السفير الإيراني يحاول تشكيل مجاميع مسلحة من السنَّة في مناطق صلاح الدين والأنبار لغرض مقاومة الاحتلال الأمريكي، وهي الحجة التي يعتقد أنها ستنطلي على العراقيين، ففي بداية الاحتلال الأمريكي للعراق قاوم العراقيون السنَّة ذلك الاحتلال، لكن إيران وأتباعها من جنوا ثماره، بل إنهم ينسبون مقاومة الاحتلال إليهم زورًا وبهتاًنا.
إن محاولات إيران تهدف إلى جعل المناطق السنيَّة ساحة مواجهة مع القوات الأمريكية مرة أخرى، ليلحقها الدمار الذي لحقها أول مرة، والإجهاز على آخر ما تبقى من تلك الحواضر السنيَّة، ونجاح خطط السفير الإيراني والجنرال قاسم سليماني الخطيرة، ستعصف بالمناطق السنيَّة مرة أخرى وتأتي على آخر ما تبقى لهم من مناطق في العراق.
“مسجدي” ليس كغيره من السفراء
لم يأت تعيين إيرج مسجدي سفيرًا لإيران في العراق اعتباطًا، فمن رشحه لهذا المنصب هو قاسم سليماني، لأنه كان مستشارًا له في فيلق القدس، وما بين هذين الرجلين هو تناغم وتفاهم على إتمام مشاريعهم في العراق، ومسجدي أفضل من يخدم أجندة الحرس الثوري الإيراني بالعراق، فعلى الرغم من أن جميع السفراء الإيرانيين الذين خدموا بالعراق ليسوا قليلي السوء، لكن مسجدي فاقهم بالسوء، فالوزير الذي يهدد بمعاقبة حكومة وشعب العراق وتحمل عواقب وخيمة، إذا تخلت عن الواردات الإيرانية، وتعاملت بإيجابية مع عقوبات الولايات المتحدة ضد إيران، وهو الذي غادر قاعة احتفال نظمه تحالف البناء، عندما طُلب من الحاضرين الوقوف دقيقة صمت تكريمًا لأرواح ”شهداء العراق”، ووصلت به العنجهية للحد الذي يطالب باستقطاع مدينة سامراء وتحويلها لمحافظة دينية، ويحدد المدن التي يجب عليها الانضمام لهذه المحافظة المقترحة، فهذا ليس بسفير إنما مندوب سامي إيراني في العراق.
إيران التي مكَّنت للأحزاب الموالية لها من حكم العراق، وبمساندة ومشاركة شكلية من سياسيين سنَّة، لقادرة على فعل ما تريد في العراق
يقول البعض إن المحاولات الإيرانية لاستقطاع أراضٍ من المحافظات السنيَّة، وجعلها محافظات جديدة، أمر مستحيل وغير ممكن، لأن هناك اتفاقًا منذ سقوط النظام السابق عام 2003، على إبقاء الحدود الإدارية للمحافظات كما هي، وهذا القول فيه بساطة بالتفكير، لأن إيران نجحت في مسائل عديدة، واستطاعت أن تبتلع العراق بالكامل، فهل ستعجز عن إيجاد بدائل لتمرير مشاريعها؟
إن إيران التي مكَّنت للأحزاب الموالية لها من حكم العراق، وبمساندة ومشاركة شكلية من سياسيين سنَّة، لقادرة على فعل ما تريد في العراق، أما الأحزاب الكردية، فإن لها خططها المختلفة ولا تمت بصلة لباقي العراق، وتتطلع لفرصة سانحة لإعلان استقلالها، فالأمر ليس مهمًا لهم ما دام بعيدًا عن إقليم كردستان، لكنهم غفلوا عن أن إيران باللحظة التي تستكمل خططها بالمناطق العربية، لن تنتظر طويلًا ليكون هدفها التالي هو إقليم كردستان.
المصدر: نون بوست