بقلم: دزباهرة الشيخلي
من الطبيعي ومن الحقوق التي فرضتها دساتير الأرض والسماء أن يعود النازحون بسبب الأوضاع التي تسود العراق، من مخيّمات النزوح إلى بيوتهم، التي هجروها خوفا على حياتهم، لكن مدينة الموصل تشهد نزوحا معاكسا من البيوت التي عاد إليها أصحابها، إلى مخيّمات النزوح التي تركوها.
ينقل عن النائب شيروان الدوبرداني قوله إن عام 2018 شهد عودة 846 عائلة عدد أفرادها 4036 فردا إلى المخيمات التي كانوا يقيمون فيها قبل عودتهم إلى بيوتهم إثر هزيمة تنظيم داعش وتحرير المدينة قبل سنتين.
وتؤكد مراصد وجمعيات حقوق الإنسان داخل العراق وخارجه، أن ما يجري في الموصل ولأهلها على أيدي ميليشيات الحشد الحكومي من إرهاب وابتزاز لا يقلّ في مجمله عن ممارسات تنظيم داعش الإرهابية، مع أن إرهاب داعش “عصاباتي” وإرهاب الحشد “حكومي” والموصليون عانوا من الإرهابيْن معا، هذا إن لم يتفوّق إرهاب الحشد على إرهاب داعش.
ومن البديهيات أن الحفاظ على الحياة والكرامة اضطر الناس إلى مغادرة بيوتهم ومدينتهم والعودة إلى المخيمات. فالحكومة في العراق عاجزة عن حماية المواطنين ويكاد الحشد أن يكون أقوى من جيشها، فضلا عن أنها حكومة تحت خط الفساد الدولي بمئة درجة، تُباع مناصبها الوزارية وتُشترى في مزاد الأحزاب والميليشيات علانية وجهرا. حكومة قطاع خاص لا صلة لها بالشعب وليس للمواطن فيها حق أو نصيب.
سكان الموصل يتفقون على أن الوضع الأمني في المدينة الآن أسوأ مما كان تنظيم داعش يحتلّ المدين
إن وتيرة عمليات السطو وابتزاز أصحاب المتاجر وغيرهم تتصاعد في الموصل، ويقوم عليها رجال يرتدون الزي العسكري الشبيه ببزّات ميليشيا الحشد الشعبي المنضوية داخل الجيش العراقي، والمعروفة بقوات الدمج، حيث دمجت بالقوات الحكومية.
سكان الموصل يتفقون على أن الوضع الأمني في المدينة الآن أسوأ مما كان تنظيم داعش يحتلّ المدينة، فأنت لا يمكن أن تنام آمنا من دخول قوات ترتدي بزّات عسكرية تستقل عجلات خاصة بالحشد الشعبي إلى منزلك، وتحتجز أفراد عائلتك في غرفة تحت تهديد السلاح بحجة التدقيق الأمني، ثم تسرق أموالك وما تمتلك من مواد عينية ثمينة، والجرائم المسجلة في المدينة أغلبها جرائم سطو مسلح في الجانب الغربي لمدينة الموصل، بينها عوامل مشتركة تشير بوضوح إلى أن عناصر الحشد الحكومي تقف وراءها.
والمعلوم أن القوات الرسمية نفسها تواجه اتهامات متكررة من منظمات حقوقية عراقية ودولية بارتكاب انتهاكات بحق السنة والأكراد في المناطق التي تمت استعادتها من داعش، خلال الحرب التي استمرت ثلاث سنوات (2014 – 2017).
وتتهم قوات الحشد وبعض عناصر القوات الرسمية بارتكاب جرائم أخرى كتهريب الوقود وحديد العجلات المتضررة من الحرب على داعش، وأخذ أموال من التجار عبر الابتزاز، فضلا عن ابتزاز المواطنين بتهمة الإرهاب لقاء الحصول على أموال.
سبق بقأن أكدت مصادر عراقية محلية وأمنية، ارتكاب ميليشيات وفصائل مسلحة وأحزاب تابعة لإيران عمليات تغيير ديموغرافي في الموصل .
الدلائل التي تطرحها الأجهزة الأمنية في المدينة تشير إلى أن أفراد الحشد يقفون وراء تلك الجرائم، بدءا من السيارات التي يستقلّونها، وصولا إلى الزي الخاص بهم والأسلحة التي يحملونها، فيما تقف الأجهزة الأمنية عاجزة عن ردع قوات الحشد، وقد حدث أن اعترض على تلك الجرائم العقيد، عبدالباسط الجبوري، مدير إجرام محافظة نينوى فصدر أمر عسكري بنقله إلى خارج المحافظة، كما يتداول الموصليون في أحاديثهم.
أصحاب المتاجر يؤكدون أن أغلبهم تعرض لعمليات ابتزاز من قوات الحشد، وكتب إليّ أحدهم أن مقاتلي الحشد يأتون وهم يرتدون زيهم العسكري وأحيانا بملابس مدنية ويقتنون مواد عينية مختلفة، ثم يغادرون دون أن يدفعوا ثمن ما يقتنونه.
وطبعاً لا أحد يستطيع تقديم شكوى ضد قوات الحشد الحكومي، لأن الإجراءات ستكون معقّدة، وأغلب الجهات الحكومية خاضعة لهذه القوات ولا تستطيع ردعها.
وسبق أن أكدت مصادر عراقية محلية وأمنية، فضلا عن قيادات بقوات البيشمركة الكردية، ارتكاب ميليشيات وفصائل مسلحة وأحزاب تابعة لإيران عمليات تغيير ديموغرافي في الموصل وضواحيها، تمثّلت بمصادرة منازل المواطنين المسيحيين والعرب السنة والاستيلاء عليها من خلال عمليات تزوير الأوراق الرسمية، خاصة المنازل التي يعلمون أن أصحابها هاجروا إلى أوروبا أو دول أخرى ومن غير المرجّح عودتهم.
إذا بقيت الحكومة عاجزة عن تقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى محاكمة عادلة تنصف المظلوم، فليس من المستبعد أن يفيض الكيل بأبناء الموصل ويتظاهرون لعرض مظلمتهم، كما فعلوا ضد داعش، وقد تتحوّل التظاهرات إلى عصيان مدني، لأن ما يجري في المدينة أصبح خارج المعقول.
المصدر: العرب اللندنية