بقلم: حسن فحص
طويلا انتظر الجنرال قاسم سليماني لكي يعلن موقفه ورأيه من العملية الانتحارية التي استهدفت حافلة تقل أربعين عنصرا من حرس الحدود التابعين لقوات حرس الثورة على طريق «خاش – زاهدان» في محافظة سيستان وبلوسشتان، أثناء عودتهم من واجبهم العسكري على الحدود مع باكستان.
لم يبق أحد في النظام الايراني إلا وأدلى بدلوه في إطلاق المواقف والتصريحات التي تحمل التهديد والوعيد، والتأكيد على حق الرد، من رؤساء السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) إلى الوزراء، وكل القادة العسكريين في الجيش وحرس الثورة. وهذه المواقف التصعيدية التي وجهت الاتهامات لكل من السعودية والإمارات وباكستان، شددت على حق الرد وإن المعتدين والداعمين لهذه العملية الأرهابية سيدفعون الثمن، لأن طهران لن تسكت على الاعتداء وسترد بحزم وقوة. لهجة التصعيد والتهديد بالرد القاسي والمدمر، ما لبثت ان تراجعت في كلام المسؤولين الايرانيين، لتنتقل الى مستويين مختلفين:
*الأول الاحتفاظ بالموقف المتشدد اتجاه كل من السعودية والإمارات، واتهامهما بدعم وتمويل الجماعات الإرهابية التي تستهدف ايران، وبالتالي تتحمل هاتان الدولتان المسوؤلية عما جرى ويجري وسيجري في إيران من عمليات إرهابية.
*الثاني أخذ بعد أكثر هدوءًا اتجاه باكستان، مع التأكيد على دعوتها لاتخاذ إجراءات وخطوات عملية للتعامل مع البؤر الإرهابية على أراضيها، تنفيذا للتفاهمات والاتفاقيات الأمنية الموقعة بين اسلام آباد وطهران.
إن تعمد القيادات السياسية والأمنية والعسكرية الإيرانية لنوع من تخفيف حدة الموقف في ما يتعلق بالرد على هذه العملية الإرهابية، فإنه لا شك جاء بعد مراجعة الخيارات الإيرانية في ترجمة الكلام عن الانتقام الى واقع، خصوصا أن الدائرة المحتملة، وحسب التصريحات الإيرانية، لا بد ان تشمل واحدة من الدول الثلاث (السعودية والإمارات وباكستان) إذا ما أخذنا بالاعتبار الرد الذي لجأ له حرس الثورة بعد العملية الارهابية التي استهدفت البرلمان الايراني في طهران، عندما وجه صواريخه الى مراكز قال إنها تابعة لـ»داعش» في مدينة دير الزور السورية، وكذلك الرد على عملية الأهواز التي استهدفت استعراضا عسكريا، عندما قام بضرب اجتماع لقيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في قضاء كويسنجق في محافظة أربيل في إقليم كردستان العراق. وفي كلا الردين استغلت طهران حالة اللادولة في سوريا والعراق، إضافة إلى ما لديها من نفوذ فيهما، ما يعني عدم وجود إحراج أمام حكومتي البلدين.
أي رد على فرض كانت إيران قادرة عليه فإن تداعياته ستشكل فتيل إشعال حرب إقليمية وحتى دولية
في حين أن الأمر يختلف مع هذه الدول الثلاث، فهي تتمتع بكامل سيادتها على أراضيها وحدودها، وتتمتع بمظلة وحماية دولية واسعة وكبيرة، وأي اختراق لحدودها يعتبر خرقا للقوانين الدولية واعتداءًا واضحا على دولة ذات سيادة، ما قد يستدعي تحركا دوليا، لن يكون مقتصرا على الولايات المتحدة الامريكية، بل سيشمل مجلس الأمن ودول العالم الإسلامية وغير الإسلامية، وبالتالي ستكون طهران في موقع المعتدي والضعيف، وستخسر أي تعاطف. إضافة إلى إمكانية اتساع دائرة محاصرتها وتشديد العقوبات عليها، عندما ينهار جدار التردد لدى الكثير من الدول في الاصطفاف إلى جانب الولايات المتحدة، وحتى الحليف الروسي أو الصديق الصيني، لن يقدرا على الصمود كثيرا أمام اي موقف دولي موحد ضد إيران، في حال أقدمت على استهداف أي من هذه الدول.
الواضح أن طهران ستعمد الى الاحتفاظ بحق الرد واللهجة التصعيدية والاتهامية لخصومها في المنطقة، لأن اي رد، على فرض كانت قادرة على القيام به، فإن تداعياته لن تقف عند حدود الهدف والمستهدف، بل سيشكل فتيل إشعال حرب إقليمية وحتى دولية، وقد تستدعي مواجهة إيرانية إسرائيلية، كما لمح لإمكانية ذلك وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن قبل أيام. وعليه لن تكون قادرة على التحكم بمساراتها ونهاياتها، وقد تنتهي إلى نتائج لا ترغب طهران ونظامها الإسلامي الوصول اليها. من هنا يأتي كلام الجنرال سليماني الذي وضع الأمور والأحداث الأمنية في نصابها السياسي بالحديث عن مساعي دولية لفرض خطة عمل مشتركة إقليميا، على غرار خطة العمل المشترك النووية، ما يعني تجفيف شرايين النفوذ الإيراني في المنطقة. ملمحا إلى أن فرض مثل هذا «الاتفاق» لا يضع حدا أو نهاية لأزمة ايران في المنطقة، بل سيدفع الطرف الآخر إلى مزيد من فرض المطالب، على غرار ما فعل مع الاتفاق الاول النووي، ولن تقف هذه الضغوط الا بالقضاء على إيران.
سليماني الذي يقود «فيلق القدس» والأجنحة المتعددة فيه، التي تضم لواء الفاطميون الأفغاني، ولواء حيدريون العراقي، والأهم لواء الزينبيون الباكستاني، أكد على أن الجهود الإيرانية انصبت على مساعدة باكستان ودورها في المنطقة والعالم الاسلامي، إلا أنه وجه سؤالا للقيادة الباكستانية واجهزتها الأمنية والاستخباراتية «أين تذهبون؟» في إشارة الى تزامن العملية الإرهابية مع زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى إسلام أباد. معتبرا الطريق الوحيدة أمام باكستان في عزاء الشعب الايراني هي «القضاء على هذه الجماعة الإرهابية وإخراجها من باكستان»، وأن لا تسمح «للاموال» السعودية بتخريب علاقات باكستان مع جيرانها في إيران وافغانستان والهند وبالتالي منع تقسيم بلدهم. وفي الوقت الذي أكد فيه سليماني حرص طهران على تعميق علاقاتها مع باكستان، إلا انه لم يتردد في التأكيد على قدرة إيران وقواتها على «الانتقام» من المعتدين، في أي مكان لجأوا له في العالم، وهو أمر «يجب عدم امتحان إيران فيه».
لا شك في أن القيادة الايرانية ستعيد التأكيد للقيادة الباكستانية على عمق العلاقة الاستراتيجية التي تجمع البلدين في منطقة غرب آسيا، خصوصا أن طهران تعتقد أن باكستان تشكل العمق الاستراتيجي لايران وبالعكس، وان المرحلة المقبلة تحمل الكثير من مصادر القلق لطهران، أمام ما تعتقده من أن هذه المنطقة ستكون المكان الجديد الذي تعمل «الولايات المتحدة» لتحويله إلى مقر ومنطقة عمليات لبقايا تنظيم «داعش» بعد انتهاء دوره في سوريا والعراق. وتتخوف من أن تقوم جهات داخل الحكومة الباكستانية وأجهزتها الأمنية في توفير الغطاء لانتشار نفوذ «داعش» في افغانستان وصولا الى موسكو وطهران. وعندها ستكون أمام خطر وجودي حقيقي لن تكون سياسة ضبط النفس وانتظار التطورات مجدية.
المصدلا: القدس العربي