بقلم: ماجد كيالي
أدى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أواخر العام الماضي، قراره بخصوص سحب القوات الأميركية من سوريا (حوالي 2000 عسكري)، بدعوى أنها أتمت مهمتها بالقضاء على تنظيم داعش، إلى خلط أوراق مختلف الفاعلين الخارجيين في الصراع السوري، وهذا ينطبق على روسيا وتركيا وإيران.
الإعلان المذكور أدى بتركيا إلى تأجيل قرارها المتعلق بنشر قوات من جيشها في الشمال السوري، على امتداد الحدود التركية السورية، لإيجاد منطقة آمنة، ولإنهاء قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي ترى فيها تهديدا لأمنها القومي بعد أن مهّدت لذلك طويلا، بسلسلة من الإعلانات والتهديدات. أما روسيا التي كانت شككت بهذا الإعلان، الذي توجّست من تداعياته، ولاسيما من احتمال كونه مجرد خطوة لاستدراجها إلى المزيد من التورط في الصراع السوري، فقد وجدت نفسها مضطرّة إلى مسايرة تركيا في مسألتين. أولاهما الإبقاء على منطقة إدلب وريفها، كمنطقة خفض تصعيد، أي التسليم بالدور التركي في معالجة وضع هذه المنطقة. وثانيتهما مسايرة موقف تركيا بخصوص المنطقة الآمنة، ولكن وفقا لاتفاق أضنة التركي السوري عام 1998، الذي يشرعن دخول قوات تركية إلى سوريا، لكن بعمق مقداره 5-10 كلم، فقط، وليس وفقا للمخططات الأميركية التي عرضت على تركيا عمقا قدره 20- 30 كلم.
مرحلة ما بعد الحرب على الإرهاب، سواء تمثل في داعش أو في جبهة النصرة، ستعني حكما تحجيم نفوذ إيران، سيما بعد تراجع الصراع العسكري في سوريا.
هكذا يتبين أن إيران هي الخاسر الأكبر من هذه التطورات،، إذ أن مرحلة ما بعد الحرب على الإرهاب، سواء تمثل في داعش أو في جبهة النصرة، ستعني تحجيم نفوذها حكما، سيما بعد تراجع الصراع العسكري في سوريا، والتوجه نحو تفعيل سكّة الحل السياسي، سواء عبر اللجنة الدستورية أو عبر استعادة مسار جنيف مع مجيء مبعوث دولي جديد، علما أن هذا التحجيم جاء مصحوبا بحملة دولية، أميركية وإسرائيلية، تستهدف تحجيم نفوذ إيران، من العراق إلى سوريا، وفرض عقوبات عليها، باعتبارها أحد أهم مصادر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
يستنتج من كل ذلك أن الصراع السوري بات على عتبة مرحلة جديدة بالنسبة للأطراف المنخرطة فيه، وبالنسبة لتمظهراته وأشكاله، فمرحلة ما بعد الحرب على الإرهاب، غير ما قبلها، ومرحلة ما بعد الصراع العسكري غير ما قبله، ومرحلة فرض منطقة آمنة في الشمال، أو الشمال الشرقي، مع تحديد دور تركيا، غير ما قبل ذلك. هكذا، فإن المرحلة القادمة ستكشف، على الأرجح، عن الملامح الأساسية الآتية:
حتى مع بقاء 200 عسكري أميركي، فقط، في الأرض السورية فإن الولايات المتحدة مازالت تحتفظ بدور المقرر في إدارة هذا الصراع
أولا، استقرار توزع خارطة القوى العسكرية، في الجغرافيا السورية، حيث ستبقى تركيا في الشمال الغربي، أي في إدلب وريفها، على الأغلب، وتبقى الولايات المتحدة في شرقي الفرات، مع قرارها مؤخرا بالإبقاء على 200 عسكري، والبقاء في قاعدة التنف، مع ضمان أمن تركيا، من جهة، والحفاظ على قوات “قسد” من جهة أخرى، في حين يبقى النظام بقوة حليفتيه روسيا وإيران، مسيطرا في وسط وغرب سوريا، بينما تعتبر منطقة الجنوب تحت النفوذ الإسرائيلي غير المباشر.
ثانيا، هذا التموضع للقوى الفاعلة في الصراع السوري يفيد بأن قواعد الصراع سوف تتغير، ففي هكذا واقع ستبقى نقطة التجاذب الوحيدة للصراع العسكري، هي منطقة إدلب وأريافها وحماه، وبشكل محدود، خاصة في حال لم تنجح تركيا بإقناع روسيا بمشروعها المتعلق بترك تركيا تتدبّر أمر منطقة إدلب والقوى الموجودة فيها، خاصة جبهة النصرة.
ثالثا، يفيد هذا الوضع بتضاؤل الدور الإيراني لصالح الدور الروسي، فمن المعلوم أن احتدام الصراع العسكري هو الذي غطى على دخول ميليشيات تابعة لإيران من بلدان شتى، وأن تراجع حدة الصراع العسكري سيؤدي إلى التخفف من ذلك، خصوصا أن روسيا أثبتت بأنها هي التي حمت النظام أكثر من إيران وأنها هي التي باتت تمسك بقواعد الصراع السوري، وليست إيران.
رابعا، حتى مع بقاء 200 عسكري أميركي، فقط، في الأرض السورية فإن الولايات المتحدة مازالت تحتفظ بدور المقرر في إدارة هذا الصراع، وهذا يفسّر أن روسيا مثلا، تستطيع أن تجرب عضلاتها وأن تفرض وجودها عسكريا في سوريا، لكنها لا تستطيع أن تحول ذلك إلى استثمار سياسي فيها، ما يتجلى عدم قدرتها في ملفات استعادة الاستقرار السياسي وإعادة اللاجئين وتمويل عمليات الإعمار.
المصدر: العرب اللندنية