بقلم: عديد نصار
هل انتهى تنظيم داعش فعلا؟ هل بات من الممكن القول إن كابوسا مرعبا استحضر من خارج التاريخ البشري قد تبدد؟ وهل ما كانت تعرف بـ”دولة الخلافة” التي سيطرت على مساحات شاسعة من العراق وسوريا بما في ذلك كبريات المدن مثل الرقة والموصل وهددت دمشق وبغداد، قد أصبحت اليوم أثرا بعد عين ولم يتبق منها سوى مشكلة بضعة آلاف من المقاتلين الأجانب، يطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بلدانهم باستردادهم؟
كرة النار التي ألقي بها في ملعب الثورات لتحرق الشعوب الثائرة أدّت المطلوب منها وآن أوان إخمادها، فأخمدت. ستة أطنان من الذهب المنهوب من العراق وسوريا تسلمها الأميركيون. خمسمئة مليون دولار تسلمها نظام العراق زاعما تفكيك شبكة لا مثيل لها “في تاريخ العراق” لتمويل داعش.
داعش، أو دولة الخلافة في العراق والشام، حيث كان تقدير التحالف الدولي لمحاربته أن تعداد مقاتليه يزيد عن خمس وثلاثين ألفا، بمؤسساته القتالية ومقدرته على ارتكاب أبشع أشكال القتل وسفك الدماء، “بالذبح جيناكم”، حرق الناس أحياء، الانغماسيين، السيارات والآليات المفخخة، والرايات السوداء والزي الأفغاني “الشرعي” للمقاتلين، “باقية وتتمدد”… باتت أثرا بعد عين وبات مقاتلوها كناية عن بضعة آلاف من المعتقلين بأيدي قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولي.
يمكن للولايات المتحدة أن تعلن النصر على داعش لكن، هل يمكن أن تصدق القول إن خطره زال؟ أو أننا سنواجه غدا مجزرة جديدة لداعش جديد أو متجدد في بؤرة جديدة للصراع؟
الولايات المتحدة التي أقامت سجونا طائرة وسجونا عائمة وسجونا ذائعة الصيت لاعتقال كل من يشتبه بانتمائه إلى تنظيم القاعدة خلال العقد الأول من هذا القرن وبعد احتلال أفغانستان واجتياح العراق، في غوانتانامو وغيرها، وسجونا سرية في أوروبا الشرقية وحتى في بعض الدول العربية، تطالب اليوم وعلى لسان رئيسها دونالد ترامب الدول الأوروبية باستعادة الإرهابيين الدواعش من مواطنيها الذين باتوا في عهدة قوات سوريا الديمقراطية وعهدتها في سوريا، وإلا اضطرت إلى إطلاق سراحهم! والدول الأوروبية في حيرة من أمرها!
بعد كل هذه الحرب على داعش وبعد استسلام آلاف من مقاتليه، لم نسمع حتى اليوم عن تقديم قيادي واحد من هذه الدولة المزعومة أو هذا التنظيم الذي لم يوفر كبريات الدول الأوروبية من مجازره وجرائمه المتنقلة، إلى محاكمة واضحة وتحقيق صادق ومفيد يمكن أن يؤدي إلى طمأنة النفوس وأن خطر هذا التنظيم الإرهابي آيل فعلا إلى الزوال. كما أن زعيمه المفترض “الخليفة” أبا بكر البغدادي لا يزال غير معروف المصير.
يمكن للولايات المتحدة أن تعلن اليوم أو غدا النصر المؤزر على هذا الوحش، ولكن، هل يمكن أن تصدق القول إن خطره زال؟ أو أننا سنواجه غدا مجزرة جديدة لداعش جديد أو متجدد في بؤرة جديدة للصراع يمكن أن تهدد مصالح هذه الدولة أو تلك من مراكز الهيمنة العالمية؟
قد يكون تنظيم داعش قد أزيل عن الخارطة الجغرافية التي كان يحتلها في كل من العراق وسوريا، إنما زوال خطر داعش وما يشابهه من تنظيمات إرهابية لن يكون إلا بإلقاء القبض على العناصر القيادية الحقيقية التي أنشأته وحركته، وتقديمها إلى محاكمات صادقة وصريحة وعلنية ليتبين من التحقيقات من كان وراءه ومن موله ومن سهل له ومن سلحه ومن أطفأ حقيقة جذوته هنا وقد يشعلها هناك. وسوى ذلك، فإن داعش سيبقى خطرا داهما يتهدد الشعوب لأن في ذلك ليس سقوطا لهذا النظام السياسي في هذه البلاد أو تلك، بل سقوط حتمي، أقله أخلاقي، للقوى المهيمنة محليا وإقليميا ودوليا، تلك القوى المعادية لطموحات الشعوب ولتحررها. داعش ومثيلاته ليس سوى التعبير الأشد قبحا عن طبيعة نظام عالمي فاق بتعفنه كل التوقعات.
المصدر: العرب اللندنية