بقلم: عبد الجبار الجبوري
أمس إنتهى مؤتمر وارسو ضد الإرهاب، الذي شاركت فيه أكثر ثمانين دولة، وهذه هي المرة الأولى في التاريخ ، أن يجتمع هذا العدد الكبيرمن المسئولين الكبار من جميع دول العالم وترعاه الولايات المتحدة الأمريكية بوفد كبير من نائب الرئيس ووزير خارجيته ، لبحث قضية واحدة إتفق عليه الجميع، وإستشعروا خطورتها على العالم ، ألا وهي خطرالإرهاب الإيراني، وضرورة إزالة نظامه ولو بالقوة العسكرية ، لأنه يمثل حسب التوصيف الأمريكي “الراعي الأول للإرهاب في العالم”، وأنْ “لا سلام في الشرق الأوسط دون مواجهة إيران”.
إذن الهدف الأول من عقد مؤتمر عالمي، هو تحجّيم وإنهاء الدوّر الإيراني التخريّبي المزّعزّع لأمن وإستقرار الشرق الاوسط، الذي يأخذ أشكالاً متعددّة في الإرهاب،ويتمدّد في عواصم إستراتيجية عربية، تؤهلها للسيطرة على الشرق الأوسط جيوسياسياً، وهي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، مع تأسيس ميليشيات مسلحة مليونية تأتّمر بأوامر الولي الفقيه الايراني مباشرة “فقط في العراق أكثر من مئة ميليشيا” ،ومهمة هذه الميليشيات والأحزاب هي إقامة الإمبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد ،وإقامة “دولة العدل الالهية المزعومة لها”، وهي هدف إيران ومشروعها الإستراتيجي الديني الكوّني التوسّعي، الذي يسمّونه “الهلال الشيعي”، والذي أصبح “بدراً شيعياً كما يصرّح أتباعه”، وكانت جلسة مؤتمر ميونيخ لوزراء الدفاع والأمن خاتمة المؤتمر، والذي أفصح بشكل واضح وجَّلي، وبإتفاق الجميع ، أن خطر الارهاب الإيراني أخذ يطرق أبواب الجميع ، خاصة بعد الإعلان عن القضاء على تنظيم داعش في سوريا والعراق، وظهور فصائل مسلّحة متطرّفة جداً، أشدُّ وأقسى من داعش تسّمى –حرّاس الدين – تحمل بصماتها أصابع إيرانية واضحة، من خلال تنفيذ عملياتها، وطريقة التنفيذ ومكان التنفيذ وأدوات التنفيذ، مؤتمر ميونيخ وضع ستراتيجية مواجهة طهران عسكرياً ،وخطوات وساعة التنفيذ ، إذا ما فشل الحصار الإقتصادي والجوي والنفطي واللوجستي على ايران، وقد بدأت الإدارة الأمريكية أولى خطواتها بهذا الاتجاه، بإنتشارها السريع والواسع في الأراضي العراقية، وإمتلات القواعد والمعسكرات في جميع المدن العراقية، بالجيش الأمريكي المنسحب من سوريا، وتشكيّل ما يسمى – جيش السنة – لمواجهة الميليشيات، وطردها من المدن المحرّرة المتواجدة فيها، وعلى الطرف الآخر تحاول الأحزاب وقادة الميليشيات إستمالة – المدن السنية – وشخصياتها ورؤساء عشائرها ،بالترغّيب والترهّيب الانضمام إلى ميليشياتها أو إلى الألوية التي تشكلّها حديثاً لقتال الأمريكان في العراق، وعرقلة تقدّمهم لإسقاط النظام الإيراني، وشاهدنا عمليات إغتيالات لقادة الميليشيات، وإعتقالات للآخرين.
وهناك وحسب المعلومات والتسريبات، صفحات لإنهاء وتصفيّة آخرين، تمهيداً لتفكيّك وحلّ الحشد الشعبي والميليشيات بصورة كاملة، وحصر السلاح بيد الدولة فقط ، وهذا قرار أمريكي له الأولوية في العراق، والتي أخذت تنادي به بعض المراجع في النجف، وقد اخذت تنفذ الميليشيات عمليات لتضليل الرأي العراقي والامريكي وهي عمليات غلق مقرات حشود وميليشيات تسمّيها ( وهميّة وخارجة عن القانون)، ونحن نعرف أنها كانت تقاتل الإرهاب مع الجيش والحشد الشعبي ،فلماذا تفطنّت عليهم الآن الميليشيات ،واخذت تصفيّهم وتجعلهم كبش فداء لها، كما فعلتْ مع أوس الخفاجي آمر لواء أبو فضل العباس وغيره.
إذن المشهد العراقي الحكومي والميليشياوي والحشداوي لايحسدون عليه ، لانهم أستشعروا خطر زوالهم أمريكياً ، وهناك خياران لهم ،أما مواجهة أمريكا عسكرياً، أو الإستسلام وتنفيذ ما يطلبه منهم الأمريكان من شروط قاسية جدا ، تفقدهم سيطرتهم وقوّتهم على المدن والمحافظات والسلطة معاً ، وهذا ما تصرّ عليه أمريكا، لأنها تدرك أن الميليشيات الإيرانية التي تنفذ أجندة ولي الفقيه ، هي سبب فشل المشروع الأمريكي في العراق والمنطقة ، ويصبُّ في صالح المشروع الإيراني وبنجاح، فعليهم الإسراع بإنهاء دور وسطوّة وسيطرة الميليشيات ومن يتبّعها ، السؤال الإفتراضي هل ستقاتل الميليشيات الأمريكان في العراق، بعد أن تخلّت عنهم، سيدّتهم وسيدّهم في طهران ، حيث صرّح الرئيس الإيراني ،قبل أيام بأن إيران “غير مسئولة عن عمليات الميليشيات خارج ايران ولا تدعمها”، فهل هناك أبلغ من هذا الكلام والصراحة.
نحن نرى ونعتقد جازمين، أن أياً من قادة الميليشيات، لن يجرؤ على إطلاق رصاصة واحدة ،على جندي أمريكي واحد في عرض العراق وطوله،وهذه الجنود والقادة الامريكان يتجولون في شوارع وأسواق المدن، ولايجرؤ احدٌ على إعتراضها، وما تصريحات وتهديدات قادة هذه الميليشيات، إلاّ إستعراض للقوّة الوهمّية ووهم القوّة، لرفع معنويات الأتباع لاأكثر،وهذا يجري كله ، والأحداث على الارض، تؤكد أن أمريكا، تحضّرلعمل عسكري واسع ومعركة طويلة مع الارهاب ،الذي تمّثل رأسه وترعّاه وتموّله وتسلّحه إيران، فبعد إعلان إنتهاء العمليات مع داعش، في آخر معاقله في الباغوز بسوريا، ستنتقل المعركة للعراق، ومؤتمر وارسو يعبتر أكبر تحالف دولي عسكري ضد ايران، وهذا كماأشرّنا يحدث لأول مرة التاريخ، لأنه وَحّد العالم، وخاصة أوروبا ضد دولة ترعى الإرهاب العالمي هي إيران، وتقوده أمريكا بكلّ ثقلها العسكري والسياسي، والاعلامي والتكنولوجي الفائق القوة والتفوّق، ويعتبر المؤتمر إعلان حرب بمعنى الكلمة، والدليل تهّجم الرئيس الايراني روحاني عليه، ووصْفه بأنه مؤتمراً فاشلاً ،ووصفه وزير الخاراجية ظريف، بأنه مؤتمر ضعيف ومسيّس ،إذن إيران أدركت بعد إنعقاد مؤتمر وارسو أنها الهدف الثاني بعد داعش، وأنها الآن في عين عاصفة الحرب، في ظل ظروف إقتصادية منهارة تعيشها وبالغة القسوة داخلياً ، بعد تجمّيد الأرصدة والبنوك والتعاملات المصرفية عربياً وعالمياً معها ، وفي ظل إستحضارات عسكرية أمريكية وإسرائيلية وأوربية وعربية غير مسبوقة ، آخرها فتح جميع المطارات، والقواعد ونصب الصواريخ، وإرسال ألوية وكوماندوس خاصة للعراق والمنطقة، والقبة الحديدية التي وصلت للقواعد العسكرية، ووصول حاملات الطائرات النووية واالبوارج الحربية لموانيء الخليج العربي والبحر الابيض ،وتوجيّه صواريخ توما هوك الذكية وغيرها، كلُّ هذا يجري على مرآى ومسمع من العالم .
يقابل هذا كله توافقات أمريكية – روسية وتوافقات أمريكية – تركية ، حول مستقبل سوريا والعراق والشرق الأوسط كله، هذه التفاهمات عزلت وطوّقت نظام ملالي طهران سياسياً وعسكرياً، نعم تم تطويق ايران عسكرياً بالقواعد الأمريكية العسكرية، التي تنتظر إشارة البدء بعمل عسكري، سريع وخاطف لإسقاط النظام ، ولهذا رأينا التهديّدات الايرانية، ضد السعودية ودول الخليج العربي وباكستان، بحجّة دعمها للإرهاب، وتحميّلها مسئولية التفجيرات، التي إستهدّفت الحرس الثوري في الأراضي الإيرانية ، نعم أقولها بثقة ويقين، أن مؤتمر وارسو وضع العالم كله في صورة تغيير النظام الايراني، وإقامة تحالف عالمي لذلك ، وأنه أي المؤتمر، سيكون فاصلة بين عصرين ، عصر قبل النظام الايراني، وعصر بعد النظام الايراني، أما الإستراتيجية الامريكية لمن لا يرى في جدّية أمريكا إسقاط نظام طهران، وإنهما “حبايب من تحت العباءة وخلف الكواليس”، فأنه يخطيء هذه المرّة، لإن أمريكا تحالفت مع ملالي طهران لإسقاط نظام صدام حسين، وكانت مصالحهما تتوافق ، والأن تقاطعت المصالح جذرياً، بل أصبح نظام طهران يُشكّل تهديداً حقيقياً لمشروع أمريكا الإستراتيجي،في إقامة الشرق الاوسط الكبير، بل معرّقل له إنْ لم يكنْ ندّاً له ، وعندما تتقاطع المصالح يصبح خيار الحرب أقرب من السلام وهو ما يحصل بين أمريكا وإيران في الشرق الأوسط،ألم يكنْ شعارأمريكا عبر التاريخ، لاتوجد صدقات دائمة بل توجد مصالح دائمة، وهو ما نراه الآن.
إن مؤتمر وارسو سيضع الشرق الاوسط في عَين العاصفة، وسيغيّر خارطة المنطقة كلها ،وأولّها تغيّر النظام الإيراني .
المصدر: كتابات