بقلم: كيرك سويل
بعد ثلاثة أشهر على بدء ولايته التي تدوم أربع سنوات كرئيس للحكومة العراقية، يبدو أن عادل عبد المهدي قد تخلّى عن معركته مع البرلمان للحصول على موافقته على باقي الوزراء في حكومته. فمع اختتام مجلس النواب جلسته التشريعية الأولى، لا تزال أربع وزارات أساسية شاغرة: الدفاع والداخلية والعدل والتربية. وتنبثق الصعوبات التي يُعاني منها رئيس الوزراء، في جزء منها، من الطريقة التي تمّ بها انتخابه. فبغية الخروج من المأزق الذي طرأ بعد الإنتخابات، توصّل الخصمان هادي العامري ومُقتدى الصدر – الراعي الشعبوي والإسلامي والقومي لكتلة “سائرون” – إلى تسويةٍ إختارا بموجبها عبد المهدي، التكنوقراطي المستقل، رئيساً للحكومة. والخصومة المستمرة بين الصدر والعامري جعلت عبد المهدي عاجزاً، حتى الآن، عن تمرير تشريعات أو تعيينات عبر مجلس النواب. في الوقت الحالي، تمكن على الأقل من تعيين وزيري النفط والكهرباء. النفط يُعطي الدخل الأساسي إلى الحكومة العراقية، والكهرباء من خلالها تستطيع الحكومة تنفيذ مشاريع لتجنب الإحتجاجات الصيفية قبل ارتفاع درجة الحرارة وزيادة الطلب على الطاقة. ففي غياب إئتلاف حقيقي، غالب الظن أنه سيضطر إلى اللجوء إلى إجراءات تنفيذية أحادية.
عندما حاول عبد المهدي تشكيل حكومة في 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2018، كاد الصراع بين الصدر والعامري يودي بالتصويت على الثقة. وقد وافقا، في إطار تسويةٍ، على عبد المهدي و14 من الأسماء الـ22 التي اقترحها لتسلّم الحقائب الوزارية. وعلى الرغم من أن الدستور العراقي ينص على أن رئيس الوزراء يُسمّي جميع الأشخاص الذين سيتولون مناصب حكومية، إلّا أن عبد المهدي رضخ للأفرقاء السياسيين ووزّع المناصب على أساس إثني – مذهبي. وقد وافقت الكتل البرلمانية على منح وزارتَي الدفاع والتربية للسنّة، بيد أن الاقتتال السنّي الداخلي يحول دون الموافقة على الإسمَين اللذين اقترحهما عبد المهدي لتولّي هاتين الحقيبتين. كما أن الخلافات في صفوف الأكراد تُعطّل تثبيت تعيين وزير العدل. حتى تعيين وزير للهجرة والمهجّرين ظلّ متعثّراً حتى 24 كانون الأول (ديسمبر) بسبب الإنقسامات في الصف المسيحي، مع العلم بأن هناك خمسة نوّاب مسيحيين فقط في مجلس النواب العراقي المؤلّف من 329 نائباً، والإنقسام الأبرز جاء على خلفية القرار الذي اتخذه “تحالف البناء” بقيادة العامري، والذي يسيطر عليه إسلاميون شيعة يؤيدون إيران، بتسمية فالح الفياض وزيراً للداخلية.
أثار الصدريون فوضى في البرلمان عندما راحوا يصرخون: “قرارنا عراقي”، في تلميح إلى أن الإيرانيين يقفون خلف خصومهم.
بذل العامري جهوداً عقيمة على امتداد شهرٍ ونيّف لإقناع الصدر بالعدول عن معارضته لتوزير الفياض، وقد استند الصدر في معارضته هذه إلى اعتقاد دقيق من جانبه بأن الفياض هو أقرب ما يكون إلى إيران. في الرابع من كانون الأول (ديسمبر)، قرّر عبد المهدي طرح اسم الفياض من جديد، مصطفاً على ما يبدو إلى جانب العامري، فضلاً عن طرحه أسماء لتسلُّم حقائب وزارية أخرى – وذلك على الرغم من أن الصدر كان حذّر من أنه في حال أقدم عبد المهدي على ذلك، فأنصاره سوف “يعارضونكم على طريقتكم”، في تهديدٍ مباشر باندلاع تظاهرات حاشدة مشابهة لتلك التي هزّت الحكومة في العام 2016. وكانت النتيجة انتكاسة شديدة لعبد المهدي. فقد أثار الصدريون فوضى في البرلمان عندما راحوا يصرخون: “قرارنا عراقي”، في تلميح إلى أن الإيرانيين يقفون خلف خصومهم.فانسحب عبد المهدي والأشخاص الذين سمّاهم لتولي الحقائب الوزارية وخرجوا من البرلمان مغلوباً على أمرهم، فيما بقيت ثماني وزارات شاغرة في تلك المرحلة.
رداً على اعتراض الصدر على الفياض، قال العامري للصحافيين في الثامن من كانون الأول (ديسمبر) إنه على الرغم من أن الفياض هو حليفه السياسي، إلّا أن رئيس الوزراء هو من أصرّ على تسميته. وقد سعى العامري، من خلال ذلك، إلى التخفيف من الإنطباع بأن تعيين الفياض هو محاولة للإمساك بقبضة السلطة، نظراً إلى أنه سبق لتنظيم بدر بزعامة العامري أن تولّى وزارة الداخلية من قبل، الأمر الذي دفع برئيس الوزراء إلى الإقرار بأن الفريقَين المتخاصمَين مارسا ضغوطاً عليه لإرغامه على تعيين مرشحيهما في المناصب الوزارية الأساسية الأربعة. بيد أن تحالف العامري استمر في الإدعاء بأن عبد المهدي هو مَن يُصرّ على توزير الفياض، مع الإعلان في الوقت نفسه بأنه الخيار المقبول الوحيد من التحالف.
مجرد تسمية سفانة الحمداني لوزارة التربية من قبل الزعيم السنّي المثير للجدل خميس خنجر يجعل منها اسماً سجالياً
في الجلسة التي عقدها البرلمان في 18 كانون الأول (ديسمبر)، جرت المصادقة على تعيين ثلاثة من الوزراء الخمسة الذين اقترحهم عبد المهدي. والثلاثة هم قصي السهيل وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي، ونوري الدليمي وزيراً للتخطيط، وعبد الأمير الحمداني وزيراً للثقافة والسياحة والآثار. أما الإسمان اللذان طُرِحا لوزارة التربية ووزارة الهجرة والمهجّرين فلم يحصلا على التصويت اللازم لتثبيت تعيينهما. في 24 كانون الأول (ديسمبر)، وافق مجلس النواب على الإسمَين الجديدين اللذين رُشِّحا لتسلّم هاتين الوزارتين، وهما شيماء الحيالي وزيرةً للتربية ونوفل بهاء موسى وزيراً للهجرة والمهجرين – غير أن الحيالي إستقالت قبل تسلّمها مهامها بعد ظهور مزاعم بأن لأسرتها صلاتٍ بتنظيم “الدولة الإسلامية”. في غضون ذلك، رفض مجلس النواب رفضاً قاطعاً تعيين فيصل الجربا وزيراً للدفاع.
وقد مُنيت المحاولة التي بذلها عبد المهدي في 22 كانون الثاني (يناير) لملء المقاعد الأربعة التي لا تزال شاغرة في حكومته بالفشل بعدما عجز مجلس النواب عن التصويت عليها. فالمرشحان – أركان بيباني لوزارة العدل وسفانة الحمداني لوزارة التربية – ليسا من الشخصيات المعروفة في الحقل العام. لا بل يبدو أنه وقعَ الخيار عليهما لأنهما غير معروفَين. غير أن مجرد تسمية الحمداني من قبل الزعيم السنّي المثير للجدل خميس خنجر يجعل منها اسماً سجالياً. كما أن وزارة العدل هي للأكراد، فقد أصبحت رهينة مسارٍ منفصل تماماً لمفاوضات بين الحزب الديموقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني لتشكيل حكومة جديدة في إقليم كردستان.
إذا تمكّن عبد المهدي من الصمود بوجه الإحتجاجات المعتادة التي تندلع في فصل الصيف، فسوف يحظى بولاية من أربع سنوات لمعالجة ملفات أخرى ترتدي أهمية حيوية لمستقبل العراق،
حتى إن بعض المرشحين الذين اقترحهم عبد المهدي وجرى تثبيت تعيينهم، واجهوا تهديدات بالعزل من مناصبهم، منهم وزير الرياضة والشباب أحمد العبيدي (المُتّهم بإقامة روابط سابقة مع تنظيم “القاعدة”)، ووزير الإتصالات نعيم الربيعي (المُتّهم بأنه كانت لديه روابط سابقة مع حزب البعث). وقد سمح عبد المهدي باحتدام السجال على خلفية توزيرهما من دون أن يصدر أي تعليق عنه، مثلما لم يُحرّك ساكناً لتصويب الكلام الصادر عن حلفاء العامري بشأن الجهة المسؤولة عن تسمية الفياض لوزارة الداخلية، ما جعله يبدو في موقع ضعيف.
لا تعني الشواغر في المناصب الوزارية، بالضرورة، أن الحكومة مشلولة. في الواقع، بما أن حكومة عبد المهدي ضعيفة إلى درجة استثنائية، فإن أي تطورات إيجابية ستكون رهناً بالصلاحيات التي يستطيع رئيس الوزراء ممارستها عبر إصدار مراسيم تنفيذية. فالوزارتان الأساسيتان اللتان من شأنهما أن تُتيحا لعبد المهدي الصمود والاستمرار في منصبه هما وزارتا النفط والكهرباء. القطاع النفطي هو ما يؤمّن استمرارية الدولة، مع تسجيل الإنتاج رقماً قياسياً جديداً بلغ 4.94 ملايين برميل في اليوم في كانون الأول (ديسمبر) 2018. كذلك ترتدي الكهرباء أهمية حيوية، نظراً إلى الإحتجاجات الحاشدة التي تندلع في فصل الصيف عندما ترتفع درجات الحرارة. وفقاً لموقع “تقرير نفط العراق” (Iraq Oil Report)، يسعى وزير الكهرباء لؤي الخطيب جاهداً لإنجاز مشاريع صغيرة إنما قابلة للتطبيق على وجه السرعة بغية زيادة الإنتاج بنسبة 15-20 في المئة قبل حلول فصل الصيف.
تستطيع حكومة عبد المهدي الضعيفة أن تشقّ طريقها بخطى متثاقلة في الوقت الراهن، نظراً إلى أن البلاد لا تشهد الكثير من الإحتجاجات على غرار تلك التي قضت على حظوظ حيدر العبادي بالفوز بولاية جديدة. إذا تمكّن عبد المهدي من الصمود بوجه الإحتجاجات المعتادة التي تندلع في فصل الصيف، فسوف يحظى بولاية من أربع سنوات لمعالجة ملفات أخرى ترتدي أهمية حيوية لمستقبل العراق، مثل الصناعة والزراعة والتربية. يبقى أن نرى ما هي الإنجازات التي ستتمكن الحكومة من تحقيقها، إن كان هناك من إنجازات.
المصدر: أسواق العرب