بقلم: مروان قبلان
فيما تستعد الولايات المتحدة لسحب قواتها من شرق سورية، وتستعجل الانسحاب من أفغانستان، تتخذ، من جهة أخرى، استعدادات للتدخل عسكرياً في فنزويلا، لمساعدة المعارضة على إطاحة حكم الرئيس نيكولاس مادورو. وفي حال حصل تدخل عسكري أميركي في فنزويلا، وهو أمر محتمل، بعد أن كشفت ورقة الملاحظات التي حملها مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، بطريقة مقصودة على الأرجح خلال مؤتمر صحافي، عن خطط لإرسال نحو خمسة آلاف جندي إلى كولومبيا المجاورة، فان ذلك سيغري بإجراء مقارنة مع سورية، وسيطرح السؤال: لماذا هنا وليس هناك؟ محاولة شرح السياسة الأميركية وفق اعتبارات غير مصلحية، مهما كانت، أمر غير مفيد (وجود موقف سلبي مثلا من العرب والمسلمين) كما أن محاولة طرْقه من باب ازدواجية المعايير لا يساعد على الفهم. وهذا لا ينكره الأميركيون عادة الذين يستغربون، على أية حال، نعتهم بالبراغماتية أو النفعية التي يرونها، في العموم، صفاتٍ إيجابيةً تعكس ثقافتهم وتحكم سلوكهم، ويجدون صعوبةً في فهم استخدامها ضدهم من باب النقد أو اللوم أو الهجوم عليهم.
منذ الحرب الأميركية – الليبية عام 1801، والتي تعد أول تدخل عسكري أميركي خارجي على الإطلاق (حصلت بالمناسبة لأسباب تجارية بحتة، على الرغم من الاسم الذي يطلقه الأميركيون عليها “حرب البرابرة”)، تم إحصاء نحو مائتي تدخل عسكري أميركي في العالم، علني وسري، بعضها لتثبيت حكوماتٍ وأخرى لإطاحة حكومات، بعضها حصل على نطاق عالمي، مثل الحربين العالميتين، وبعضها حصل على نطاق ضيق ومحدود، مثل عملية إطاحة رئيس وزراء ايران، محمد مصدق، عام 1953. لكن أياً من هذه التدخلات، إذا استثنينا حملة كوسوفو عام 1999، والتي لا تزال دوافعها محل نقاش، لم تحصل لأسبابٍ غير متعلقة بمصالح الولايات المتحدة، استراتيجية كانت أو تجارية.
في سورية، عبر الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، غير مرة، عن عدم وجود مصالح أميركية فيها، وهو الذي انسحب من العراق، على الرغم من وجود مصالح أميركية هناك، لأنه رأى في ذلك مصلحة أكبر. ثم جاء ترامب ليكون أكثر وضوحاً، عندما قال، في اجتماع لحكومته يوم 3 يناير/ كانون الثاني الماضي، إنه لا يرى في سورية “سوى الرمال والموت، فلماذا نبقى فيها”؟ ماذا هناك إذاً في فنزويلا، حتى يفكر رئيسٌ مثل ترامب، يحسب كل دولارٍ تنفقه بلاده في الخارج، ليفكّر بالتدخل عسكريا فيها، ومن دون أن يطالب أحدٌ بتغطية النفقات، على عادته؟ يمكن إيراد عاملين جيو- سياسي واقتصادي.
جيوسياسياً، تقع فنزويلا في ما يحب بعضهم تسمّيه “حديقة واشنطن الخلفية”، هذه المنطقة التي جعلتها أميركا أرضاً حراماً على غيرها منذ أطلق الرئيس جيمس مونرو، في خطاب حالة الاتحاد السابع، مبدأه الشهير عام 1823، ومنع الدول الاستعمارية الأوروبية بموجبه من دخول القسم الغربي من الكرة الأرضية، وعَدَّ أي خرقٍ لهذا المبدأ بمثابة عمل عدائي ضد أميركا. حاول الاتحاد السوفييتي خرق هذا المبدأ في كوبا، إبّان أزمة الصواريخ في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1962، لكن أميركا صدّته، على الرغم من استمرار حكومة كاسترو الموالية لموسكو في السلطة عقوداً بعد الأزمة. وحصلت خروق أخرى، كما في نيكاراغوا، عندما تمكّن ثوار الساندنيستا من الوصول إلى الحكم عام 1979. لكن في العموم نجحت واشنطن في إبقاء أميركا اللاتينية تحت سيطرتها من خلال تدخلاتٍ في كل دول القارة تقريبا، لإسقاط حكوماتٍ وتنصيب أخرى من غواتيمالا وباراغواي (1954) إلى البرازيل (1964) والدومنيكان (1965) وتشيلي (1973) والسلفادور (1979) وبنما (1989) وغيرها.
يرى ترامب في العلاقات القوية التي طوّرتها الصين (وروسيا أيضاً) مع فنزويلا خلال السنوات الأخيرة، خرقاً كبيراً للسياسة الأميركية المستمرة منذ قرنين في أميركا اللاتينية. وقد تحولت فنزويلا، خصوصاً في عهد مادورو، الذي خلف هوغو شافيز عام 2013، إلى حليف الصين الأكبر خارج آسيا، وتلقت مساعدات منها تزيد على 60 مليار دولار، قروضاً لمساعدة الاقتصاد الفنزويلي على الصمود، خصوصاً في قطاع النفط الحيوي. هذا يدخلنا إلى العامل الثاني الذي يجعل ترامب يرى في فنزويلا ما لا يراه في سورية (رمالا وموتا) وهو النفط. وهذا العامل لا يحتاج إلى شرح كبير، لتبيان أهميته في السياسة الأميركية التي تمحورت حوله نحو قرن.
المصدر: العربي الجديد.