بقلم: د.ماجد السامرائي
الفصائل الشيعية الجديدة في العراق وضعت الأحزاب التقليدية من ذات المذهب خلفها وأصبحت هي المتحكمة في القرارات السياسية والعسكرية شبه الرسمية، وهي مصرّة على إبقاء شعب العراق المدمي من الحروب والاحتلالات بحالة دائمة من العسكرة والتجييش ليس لسبب عسكري مباشر بعد نهاية الحرب على داعش في العام 2017، وإنما لأن إيران لديها مشاكلها مع الولايات المتحدة وهي مشاكل يستطيع ولي الفقيه، خامنئي، حلّها بساعة واحدة مثلما أنهى زعيمه الخميني الحرب العراقية الإيرانية بجرعة واحدة من “كأس السم” حسب وصفه الشهير، وتم حفظ ما تبقى للشعبين المظلومين العراقي والإيراني من أرواح وثروات.
لكنّ سياسة صنع الأزمات منهج اختارته طبقة الحكم الإيراني ولن تتراجع عنه حتى وإن تحوّلت طهران ومدن إيران إلى مقابر للموتى والجياع والمشردين، أو أن يتم تغيير هذه الطبقة السياسية الدينية من قبل شعوب هذا البلد، وهذا ليس غريباً على الشعوب الإيرانية التي أنهت حكم الشاه عام 1979.
هذا التجييش والتعبئة المبرمجة داخل العراق تتناقض مع سياسة رئيس الوزراء الحالي الذي يحاول التشبث بوسائل أولية للإصلاح وهي لن تتحقق في ظل المناخ التعبوي الحالي.
وبدلا من عودة المقاتلين العراقيين إلى ديارهم بعد إنجاز واجبهم الوطني تم فتح صفحات لمعارك جديدة لا مدى زمني لنهايتها، وجزء منها خارج الحدود تطلّبت إبقاءهم في المواقع والثكنات بعد أن ضمنت لهم الرواتب كغيرهم من أبناء القوات المسلحة من الميزانية العراقية لتنفيذ متطلبات المواجهة المفترضة بين واشنطن وطهران على وقع العقوبات الاقتصادية الأميركية المتصاعدة.
انتقال سوريا إلى مرحلة الحلول السياسية، أيا كانت هذه الحلول، لا يناسب الإستراتيجية الإيرانية التي تريد إبقاء الساحات الثلاث، لبنان وسوريا والعراق، ملتهبة وغير مستقرة،
القوى العراقية المؤدلجة بفكر ولاية الفقيه وأدواتها العسكرية تحاول الإيحاء لجمهورها ولعموم العراقيين بأن المعركة المزعومة ستكون طويلة بين معسكر “الممانعة ضد إسرائيل والولايات المتحدة وأصدقائها العرب”، وإذا لم تكن كذلك فلا يوجد مبرر لبقاء تلك الجحافل الشعبية العسكرية في لبنان والعراق وسوريا ولانصرفت هذه الشعوب لحياتها المدنية في البناء والتنمية.
المطلوب إبقاء فتيل المواجهة المفتعلة حيا عن طريق استخدام السذج من العراقيين كأدوات مؤقتة بيد نظام طهران، الذي لا يريد الاعتراف بأن عصرا جديدا قد بدأ في المنطقة والعالم يتطلب منه التخلّي عن السياسات التوسعية المدمرة لشعوب إيران والمنطقة.
ولعل أكثر جهة محرجة من هذه الحالة في العراق هي الحكومة العراقية المضطرة لتسويق التبريرات، بين فترة وأخرى، بعد أن تلاشت مبررات وجود تنظيم داعش، فماذا بإمكان هذه الحكومة أن تقول عن انتقال فصائل وميليشيات مقاتلة إلى الأراضي السورية غير أنهم ذو معتقدات مذهبية للدفاع عن مرقد زينب وهو في دمشق وليس على الحدود العراقية السورية أو في اللاذقية.
ولعل انتقال سوريا إلى مرحلة الحلول السياسية، أيا كانت هذه الحلول، لا يناسب الإستراتيجية الإيرانية التي تريد إبقاء الساحات الثلاث، لبنان وسوريا والعراق، ملتهبة وغير مستقرة، فاستقرار هذه البلدان مناقض لإستراتيجية ولاية الفقيه، ولماذا تتسلح هذه الفصائل في العراق بصواريخ باليستية متوسطة المدى يصل مداها خارج الحدود العراقية إن لم تكن أغراضها تهديد أمن وابتزاز دول الجوار العربي، ما اضطر فالح الفياض رئيس الحشد الشعبي والمرشح لوزارة الداخلية وفق التسريبات للقيام بزيارة سرية للسعودية وتطمينها بأن تلك الأسلحة غير موجهة إليها أو لغيرها من دول المنطقة، وهو كلام يقع في إطار التسويق لنفسه للمنصب المقبل.
السعوديون وأشقاؤهم العرب وأصدقاؤهم الأميركان يمتلكون المعلومات الاستخبارية الموثقة لتلك الأسلحة ووظائفها وغاياتها، ولأنها تدخل في مسارات جديدة خارجة عن سيطرة النظام الرسمي الحكومي العراقي الذي يضع السلاح بيد الجيش أولا وللقوى الأمنية المحتاجة للأسلحة الخفيفة ثانيا.
تضخيم حجم وفعالية الفصائل المسلحة في العراق مقصود من قبل النظام الإيراني ليصبح ورقة بيده
والهدف هو إيصال هذه الفصائل الشيعية المسلحة إلى مستويات التحكم العسكري داخل العراق وإخراج الجيش العراقي من المعادلة. يحصل حاليا داخل العراق تحشيد وتعبئة إعلامية كبيرة من فضائيات محلية تابعة لفصائل مسلحة وأحزاب وأخرى مملوكة أو ممولة من طهران.
يهدف هذا التحشيد إلى الإيحاء بأن معركة وشيكة ستحصل بين تلك الفصائل والقوات الأميركية، مع أن الوقائع تشير إلى أن الأمر مجرد استعراض للقوة، لا يحتاج الأميركان إثباتها، بل يكفي أن يسيّروا بعض الجنود في شوارع بغداد وكأنهم أصدقاء لأهلها أو معاونون لهم أمنيا واجتماعيا.
تضخيم حجم وفعالية الفصائل المسلحة في العراق مقصود من قبل النظام الإيراني ليصبح ورقة بيده في التفاوض إذا ما حصل مع واشنطن، وعندها لا يتردد هذا النظام في التخلّي عن تلك الفصائل وجعلها جزءا من الماضي، لأن نظام طهران مخنوق بالعقوبات ولا بد له من التشبث بالعناوين الملفقة بأن ما يحصل هو صراع بين قطب أميركي إسرائيلي عربي، وقطب معسكر المقاومة المصطنع، وفي مقدمته نظام بشار الأسد في سوريا الذي تريد إسرائيل بقاءه، أو حزب الله اللبناني الذي أدار ظهره لإسرائيل ما عدا الخطب الرنانة لزعيمه حسن نصرالله التي يلقيها عبر الفيديوهات المسجلة.
من حق الحكومة العراقية استشعار مواقع الخطر من محيط العراق الخارجي مهما كان مصدره من دون ميل سياسي إلى هذا الطرف أو ذاك، وليس من مصلحة هذا البلد الوقوع في خطر الانحياز لإيران أو لغيرها في هذه الظروف، حتى وإن كانت صديقة لقادته السياسيين.
المصدر: العرب اللندنية