بقلم: حامد الكيلاني
يبقى الاحتلال الأميركي للعراق حجر عثرة أمام أي صحوة باتجاه الإصلاح أو الإعمار أو أي مشروع سياسي يتبنى التغيير أو معالجة أخطاء حكومات وأحزاب سلطة الاحتلال. وهذا الجزم بالإخفاق مصدره لا يتجسد فقط بعار استقدام الجيش الأميركي والتعاون معه لإسقاط النظام، وإن كان هذا الفعل كافياً للحكم على هؤلاء بالعمالة والخيانة العظمى، إلا أن القصد يتعلق بالجرائم والإبادات والتخطيط لها وبمنهجية ترتبط بتنفيذ المشروع الإيراني لاحتلال العراق وإدخاله من نافذة الاحتلال الأميركي ثم من الباب وفي وضح النهار، وتحت دراية ومراقبة وحتى معاناة الجانب الأميركي الذي سلّم في النهاية مفاتيح العراق إلى سلطة طائفية خاضعة إلى ملالي إيران، مقابل أوهام فكرية وأخطاء استراتيجية لإدارة باراك أوباما.
المحاولات الفردية لمجموعات برلمانية والطموحات الشخصية لرئيس الوزراء في العراق لترميم الصدع في بنية الدولة تصطدم بعدم الثقة بشخوص العمل السياسي، لأنها تنحدر من رؤية داخلية للذات وشعور بالمهانة يسعى أحياناً إلى تصدير أعمال وطنية ترقى إلى مستوى الانقلاب على الماضي القريب الشخصي بالأفكار أو تبني الخطاب الثوري في رفض الإساءة للعراق والعراقيين ومن أي جهة كانت، رغم أن العراق رهينة صريحة للنفوذ الإيراني والأميركي، وذلك ليس فيه جديد منذ اليوم الأول للاحتلال.
التعميم يتجه إلى خلط الأوراق وبعد 16 سنة من تاريخ كارثة الاحتلال لفض الاشتباك الحاصل مع اتهامهم بالولاء إلى ولاية الفقيه، وكأنهم يستجيرون في هذه المرحلة بتوجيهات مركزية من المرشد تطالبهم بتخفيف مغالاة الولاء لأنه يدفع أبناء العراق إلى اتخاذ مواقف بالضد من التواجد الإيراني قد تؤدي إلى انفلات ردود الأفعال كما حدث في البصرة.
فتحت بغداد جرحها النازف عندما طرحت مجموعة من نواب البرلمان تشكيل تجمع أو كتلة بغداد وعلى اختلافهم فكرة أن تكون بغداد للبغداديين، والمقصود منصب محافظة بغداد ومجلس إدارتها ومنصب أمين بغداد، وهو منصب يردد بعض النواب أهميته بما يعادل تسلم مناصب 5 وزارات في الدولة، والتقييم يعود إلى حجم المسؤوليات وما يخصص إلى أمانة بغداد من أموال تشغيلية أو استثمارية أو لحجم جبايتها للأموال.
العراق لم يعد للعراقيين فكيف لبغداد أن تكون للبغداديين.
ملف بغداد لوحده يكفي لاستشعار الفشل السياسي في إدارة ملف العراق ككل، فالملف يتعدى مشاعر المسؤول البغدادي في جذوره وانتمائه تجاه عاصمة لها نكهة مغرقة في التفاصيل الإنسانية حالها حال المدن المماثلة، إلا أن التصدي لمعالجة الإخفاق في إدارة المهمات تعترضه تقسيمات 14 وحدة بلدية محلية تشمل مساحة بغداد المعروفة بتمددها الأفقي بما يجعلها من أكبر مدن العالم، وبما يضيفه لها هذا التمدد من عبء توفير الخدمات العامة أو الأمن، وبنظام محاصصة طائفية وسياسية يظهر في الصراع على التخصيصات وكيفية إنفاقها صعوداً إلى منصب الأمين الذي تتصارع عليه الكتل الحزبية باعتباره بقايا المغانم بعد توزيع المناصب الوزارية في الحكومة الجديدة.
العراق لم يعد للعراقيين فكيف لبغداد أن تكون للبغداديين. ومن يعرف بغداد يدرك أن لا علاقة لمحلات بغداد القديمة بالطائفية والمحاصصة والانقسام المجتمعي، إنما بمدى التحضر والتقدم والمثابرة وحب الإنجاز.
بغداد والعراق يفتقدان لمن يشهر سيفه بوجه الأميّة السائدة في العمل السياسي التي وطنت الأحزاب الفاسدة بما امتلكت من المال والسلاح والنفوذ وسلطة القرار الإداري والحكومي والإعلام، واحتكرت العقيدة لصالحها بما وفّر الغطاء لمعاقبة وتلفيق الإدانات لكل من يطالب بإعادة الانطلاق من نقطة الصفر لخلع عار الاحتلال ومخلفاته السياسية والميليشياوية والمجتمعية.
مهمة تبدو ثورية وخارج المنطق السائد لأحزاب السلطة، لكن التاريخ يزدحم بإضاءات في لحظات اختناق مشابهة صنعت شرارة أولى وثانية وأخرى نراها تتقد في نفوس العراقيين وبمختلف الاتجاهات، وتعلو بالرفض نتيجة للإهانات البالغة والقاسية والمذلة من ولاية الفقيه بميليشياتها وأحزابها التي ربطت مصيرها بالولاء للمرشد الإيراني وبخطاب مدجج بالتعصب.
الدعوة إلى زوال الأحزاب المتلبسة بجرائم الاحتلالين الأميركي والإيراني، لم تعد من الحدود المحرم تجاوزها أو خارج منظومة تفكير شعب العراق، لأن النماذج المجربة لا يمكن أن تقود نفسها إلى الحساب والعقاب على فسادها وسرقاتها وما ارتكبته من جرائم حرب وتهجير ديموغرافي وتجويع وتشريد للملايين، بما لا يدع مجالاً لعاقل أن يعتبر رموز الاحتلال وحكوماته الإيرانية نماذج عليا يستوجب التعويل عليها في التصحيح ومحاسبة الميليشيات.
ماذا بعد أن وصلنا إلى قناعة لا رجوع عنها بوجود معسكرين متقابلين في معنى الصراع القائم، الأول يضم العراقيين والثاني يحمل السلاح ضد وجودهم دفاعاً عن مصالح الأحزاب الفاسدة ومشروع الموت في سبيل ولاية الفقيه.