بقلم: حسام كنفاني
لم يتبلور مفهوم الموالاة والمعارضة في العالم العربي بعد. هذا ما يمكن استنباطُه من حال الحكومات التي تتشكل، أو في طور التشكيل، في عدد من الدول العربية التي تشهد انتخابات، نوعاً ما ديمقراطية. ولعل النموذج اللبناني، والذي ولدت حكومته قبل أيام بعد مخاض دام تسعة أشهر أحدث دليل على ذلك، فمن المتعارف عليه في الدول التي تعتمد النظام البرلماني، أو شبه البرلماني، أن الحزب الفائز بالمقاعد الأكثر في البرلمان هو من يتولى تشكيل الحكومة، على أن يبقى الطرف الآخر في صفوف المعارضة. غير أن الدول العربية استنبطت صيغاً جديدة للحكم تحت مسميات جديدة، لعل أهمها “الوفاق الوطني”، وهي التسمية المواربة للمحاصصة أو توزيع الغنائم بين الأحزاب الفاعلة في البلاد.
حكومة لبنان الحالية نموذج جديد. وعلى الرغم من أنها ليست الوحيدة في الدول العربية، إلا أنها المثال الأوضح على حال توزيع الحصص بين الأحزاب والطوائف، وإدخال جميع مكونات المشهد السياسي إلى السلطة التنفيذية، مع مفارقة أن بعض الأطراف تبقي على اعتبار نفسها معارضةً، على الرغم من مشاركتها في الحكومة، أو على الرغم من سيطرتها المطلقة على مقاليد البلاد، فالتيار العوني، على سبيل المثال، والذي نال الحصة الأكبر من الحكومة، إضافة إلى أن زعيمه رئيس للجمهورية، لا يزال يعتبر نفسه جزءاً من المعارضة، وليس طرفاً في السلطة، وهو يسارع إلى تبني أي نجاح تحققه الحكومة، وفي الوقت نفسه يتنصل من الفشل ويحمّله إلى السلطات الحاكمة. مفارقة كوميدية سوداء أخرى مع حزب الله، والذي يصر ممثلوه على اعتبار نفسهم خارج السلطة في البلاد، ويكيلون النقد لها، على الرغم من أنهم ممثلون في الحكومة أيضاً، إضافة إلى أنهم مسيطرون بالمطلق على أمور البلاد، فمن غير الممكن تمرير أي قرار أو تلزيم أي مشروع من دون أن يكون الحزب مطّلعاً عليه وموافقاً عليه، وربما له حصته منه.
على غرار الحالة اللبنانية “التوافقية”، يمكن النظر إلى الوضع الفلسطيني أيضاً مع استقالة حكومة رامي الحمدالله والتوجه إلى تشكيل “حكومة فصائلية”، وهو مسمّى جديد للحكومات في المنطقة العربية، بعدما كانت حكومة الحمدالله تحمل اسم “وفاق وطني”. ما الغاية من الحكومة الجديدة، ولماذا تم إدخال الفصائل إلى الساحة الحكومية مجدّداً، على الرغم من تجربتها وفشلها سابقاً؟ هناك أبعاد عديدة للإجابة عن هذا السؤال، بعضها سياسي وآخر يدخل أيضاً في نطاق المحاصصة الداخلية الفلسطينية، واقتراب الانتخابات التشريعية التي أعلن عنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس. في السياسة، واضح أنها تريد القطع مع حركة حماس، الحاكمة في قطاع غزة، بعد تدهور وضع المصالحة الوطنية الفلسطينية التي على أساسها تشكلت حكومة الوفاق الوطني، وهو أمر كتب عنه الكثير، غير أن المحاصصة وتوزيع الغنائم أيضاً هو الجزء الأهم من إقالة الحكومة السابقة، والتوجه نحو المسمى الحكومي الجديد، فخلال السنوات الماضية، كانت هناك أصوات معترضة داخل حركة فتح ومنظمة التحرير ضد إبعاد الحركة والفصائل المنضوية في المنظمة عن المناصب الحكومية، وهي الأصوات التي ارتفعت مع اقتراب الانتخابات التشريعية، وخصوصاً في ظل تراجع شعبية الفصائل في الضفة الغربية. ستكون الحكومة الفصائلية والمناصب الحكومية وسيلة منفعية وخدمية لهذه الأطراف، لمحاولة تحسين وضعها على الساحة الشعبية. ومرة أخرى، لن يكون هناك وجود لفكرة المعارضة، إذا استثنينا حركتي حماس والجهاد الإسلامي غير الفاعلتين على ساحة الضفة.
نماذج أخرى يمكن الحديث عنها، منها العراق، وإلى حد ما تونس، غير أنها كلها تشير إلى مفهوم أساسي بات يتشكل لدى الأحزاب السياسية في الدول العربية، هو أن الحكومات ليست في خدمة الشعب، بقدر ما هي وسيلةٌ للأحزاب، لتحقيق منافع سياسية واقتصادية قبل انقضاء فترة الحكم الحالية.
المصدر: العربي الجديد