الكثير من المتابعين للساحة العراقيّة يتساءلون منْ الذي انتصر في العراق بعد الاحتلال الأمريكي لبلاد الرافدين في العام 2003؟
ويبدو أنّ رئيس أركان الجيش الأمريكيّ السابق، ريموند توماس أوديرنو، كان من بين الذي داخوا من هذا التساؤل؛ ولهذا كلّف العقيد جو ريبورن والكولونيل فرانك سوبتشاك بكتابة تاريخ مفصّل لتلك الحرب.
تواصل العمل لإنجاز الدراسة– المكوّنة من مجلدين وأكثر من 1000 وثيقة سريّة، وتحت إشراف رئيس أركان الجيش الأمريكيّ الحالي مارك ميلي– منذ العام 2013 وتمّ الانتهاء منها عام 2016، وتأخرنشرها حتى الآن بسبب مخاوف من نشر “الغسيل القذر” بشأن القرارات التي اتخذها بعض القادة خلال تلك الفترة العنيفة، بحسبما نشر موقع “Army Times“!
الدراسة– التي نُشرت قبل خمسة أيّام- خلصت إلى أنّ ” إيران الجريئة والتوسعيّة تبدو وكأنّها المنتصر الوحيد بعد الغزو الأميركيّ للعراق في 2003، وأنّ حرب العراق كانت غير ناجحة إلى حدّ كبيرلعدّة أسباب، أهمها عدم فهم العمل الداخليّ للسياسات العراقيّة، وصراع المجموعات المسلحة في العراق، والحاجة إلى مزيد من القوات العسكريّة، وكذلك الفشل في ردع إيران وسوريا”.
الدراسة وجّهت اللّوم ” للحكومات العراقيّة التي فاقمت الانقسامات الطائفيّة في البلاد، وللديمقراطيّة، التي لم تُحقّق الاستقراربالضرورة”!
الغريب أنّ واشنطن هي التي أتت بهؤلاء وسلمتهم زمام الحكم! ولا ندري هل هذا التقييم هو ومضة لتغيير مرتقب في العراق، أم أنّه مجرد زوبعة في فنجان؟
وبالعودة إلى السؤال الأبرز: منْ الذي انتصر في العراق؟
هذا السؤال العريض لا يمكن الإجابة عنه بموجب دراسة صادرة من هنا، أو هناك لأنّ الوقائع تؤكّد الكثير من الحقائق المتنافرة!
الدراسة الأمريكيّة أشارت إلى أنّ إيران هي التي انتصرت في العراق! وهذا الكلام فيه الكثير من الصحّة، ولكن هنالك العديد من الأطراف التي كانت لها انتصارات متفاوتة بين الآنيّة والمرحليّة والإستراتيجيّة، وربما يمكن القول إنّ الانتصارات لغاية العام 2011 كانت لصالح المقاومة العراقيّة التي أجبرت المحتل الأمريكيّ –المُنتصر الآنيّ، بداية الاحتلال فقط- على الرحيل من الوطن، وعلى الرغم من ادعاء بعض القوى الحاكمة اليوم بأنّها قاومت المحتل الأمريكيّ إلا أنّ تاريخ المقاومة القريب يؤكّد أنّ كافّة القوى المشاركة في العمليّة السياسيّة لم تدخل في مواجهات واضحة مع الاحتلال الأمريكيّ عدا جيش المهدي في الأشهر الأولى من الاحتلال، ثمّ بعد ذلك انخرط زعماء التيار الصدري في العمليّة السياسيّة.
الحقيقة الأوضح هي أنّ العراقيين اثبتوا أنّهم ضد الاحتلال، وأنّ الكلمة التي لا يمكن أن نختلف عليها، سواء أكنّا من المؤيدين للمقاومة، أم لا، وهي أنّ الشعب العراقيّ قال كلمته ضد قوات الاحتلال، وأكّد أنّه لا يقبل بوجود قوات أجنبيّة في البلاد، وأظن أنّ هذا الموقف النبيل أثبتت الأيام صدقه وثباته، ولهذا أرى أنّ المنتصرالإستراتيجيّ في العراق هو المقاومة العراقيّة، ومنْ يقول خلاف هذا الكلام فهذا رأيه المُخالف للواقع، والذي لن يكتبه التاريخ بماء الذهب!
أتصور أنّ انتصار إيران المرحليّ، أو المؤقت حدث عبر إدخال مؤيديها داخل العمليّة السياسيّة، وهذه هي النقطة الكبرى في انتصارها المزيّف في العراق لأنّها غير مُرحب بها شعبيّاً، ولهذا دخلت عبر البوابة السياسيّة وحققت الغالبيّة العظمى من أهدافها في العراق!
التبرير الأمريكيّ بالفشل يؤكّد إما همجيّة الدولة الأولى في العالم، أو حقدها غير المبرّر على الإنسانيّة بدليل تدميرها لدولة عريقة، مثل العراق، وتسليمها ” لعدوّ مفترض لواشنطن” وهو إيران!
أمريكا بعد أن سحقت ملايين العراقيين فوق الأرض وتحتها تأتي وتقول: (إن إيران انتصرت)!
وهذا الاعتراف الرسميّ يُلزم واشنطن بالمسؤوليّة القانونيّة والأخلاقيّة في تحمّل تبعات احتلالها للعراق، وكلّ ما وقع فيه منذ العام 2003 ولعدّة سنوات قادمة!
وفي نهاية المطاف يتوجّب على أمريكا بيان حقيقة عدائها المزعوم لإيران، وهل هذا “الانتصار الإيرانيّ”ي العراق بعض ثمن صفقة العداء المفترض بين (الأخوة الأعداء) في واشنطن وطهران؟
المصدر: كتابات