بقلم: باهرة الشيخلي
انشغل الشارع العراقي منذ نهاية الأسبوع الماضي بخبر يفيد بأن ميليشيا حزب الله العراقي نقلت سجلات تسعة ملايين مواطن عراقي حصلوا على البطاقة الشخصية الموحدة إلى إيران.
لم يبدد بيان تكذيب الخبر الذي أصدرته وزارة الداخلية العراقية القلق الذي عمّ المجتمع العراقي، فقد عد العراقيون البيان بمرتبة إبرة تخدير رسمية لمواجهة الضجة الإعلامية التي قوبل بها الخبر، خصوصا وأن العراقيين وضعوا وزارة الداخلية، منذ عام الاحتلال، في دائرة الشبهات وفقا للجرائم المنسوبة إلى أفرادها، كما أن البيان لم يقدم دليلا على صدق الوزارة. بيان الوزارة زعم أنه “لا يمكن بأي حال من الأحوال تحميل البيانات بشكل خارجي”، وأشار إلى أن “حاسبات منظومة البطاقة الوطنية محمية بأكثر من جدار ناري ذكي وهذا ما يمنع الولوج إليها وسحب أي معلومة منها”.
ولا تبقى أهمية لأسطورة الجدران النارية، التي أوردها بيان الوزارة، إذ كان فنيون قد نبهوا إلى أن “خطورة الأمر تكمن في أن هذا النظام يعمل على الإنترنت وهي بيئة التواصل وليست شبكة داخلية مما يساعد على اختراق هذا النظام والعبث فيه”.
ويأتي هذا ضمن مخطط إيراني ليس جديدا يستهدف إخضاع العراقيين لسلطة طهران، وهذه الكارثة كشفت عنها مصادر أمنية عراقية لقناة الحدث وقالت إن ميليشيا حزب الله في العراق نقلت نحو 9 ملايين ملف شخصي لمواطنين عراقيين أصدرت لهم الدوائر المختصة في وزارة الداخلية البطاقة الوطنية الموحدة، مؤكدة أن هذه العملية تمت بعد نهاية ولاية رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ووزير الداخلية قاسم الأعرجي، بعد رفض العبادي تعيين أحد الضباط المقربين من ميليشيا حزب الله في العراق، وقد استغلت الميليشيا الفراغ الوزاري الذي خلفه صراع الأحزاب على المنصب، وتم الضغط على العاملين في قسم الحاسبات في دوائر الأحوال المدنية وشهادة الجنسية العراقية للحصول على بطاقات المواطنين وقاعدة البيانات الإلكترونية. وحذرت تلك المصادر من إمكانية استغلال إيران للمعلومات الشخصية لتنفيذ مخططاتها في العراق.
إيران جهدت للحصول على قاعدة معلومات عن العراق منذ أول يوم لاحتلاله.
والمعلوم أن نظام البطاقة الوطنية الموحدة تم العمل به سنة 2016 وتتميز هذه البطاقة باحتوائها على معلومات غير قابلة للتزوير مثل بصمة قرنية العين وبصمات أصابع اليد وتاريخ الشخص وعائلته مما يمكن استخدامها في المطارات العالمية.
ولذلك يسود تصور أن قواعد المعلومات هذه عبرت إلى إيران هي وما قبلها وما تلاها، فلم يعد سرا أن إيران جهدت للحصول على قاعدة معلومات متكاملة عن العراق، منذ أول يوم لاحتلاله، وإذا عدنا إلى سنة 2004 نجد أن الإدارة الأميركية نفضت يدها من أحمد الجلبي عضو المجلس الانتقالي، لاتهامه بتزويد إيران بمعلومات سرية، وذهب الأميركيون في العراق إلى حد اقتحام منزل الجلبي في بغداد ومصادرة وثائق في خطوة تلت وقف المساعدات التي كانت تقدمها إلى حزبه المؤتمر الوطني العراقي. وكان الغرض من المساعدات تمكين المؤتمر الوطني من جمع معلومات تهم الأميركيين، وتبين أن المعلومات، التي كان يقدمها الجلبي، غير صحيحة في معظمها، لكنها استخدمت من الإدارة الأميركية لتسويغ الحرب علي العراق.
استحوذت إيران على سجلات 9 ملايين مواطن عراقي عام 2018 وتم نقلها لإيران.
اتفقت إيران مع الجلبي على الاستحواذ على قاعدة المعلومات التي كانت متوفرة في الأجهزة الأمنية وفي جهاز المخابرات العراقية خصوصا، بغية الحصول على أسماء العاملين في هذه الأجهزة، وكل ما يتعلق بإيران مما هو متوفر في مديرية إيران في جهاز المخابرات، وكذلك أسماء المتعاونين مع الجهاز. وكان تسليم الجلبي المعلومات المذكورة لإيران ورقة اعتماده لديها، كما أصبح تسليم النص الكامل لمخطوطة التلمود البابلي، الذي كان محفوظاً في مخازن جهاز المخابرات، إلى إسرائيل ورقة اعتماده لديها.
وإذا كان استحواذ ميليشيا حزب الله العراقي على سجلات 9 ملايين مواطن عراقي ونقلها إلى إيران تم سنة 2018، فقد سبقته محاولة أخرى لإيران سنة 2017، عندما أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين عن مباشرة اللجنة المشتركة من وزارات الهجرة والداخلية والخارجية بإصدار المستمسكات الثبوتية العراقية للمتواجدين في إيران بحجة أنهم كانوا يملكون هذه المستمسكات وأسقطت عنهم في عهد النظام السابق.
إن امتلاك إيران قاعدة معلومات كاملة، عملت على الاستحواذ عليها من خلال أحزابها الدينية وميليشياتها المسلحة منذ أول يوم لاحتلال العراق، يعني أن غرف نوم العراقيين أصبحت مكشوفة أمامها وما كان خاصا من شؤونهم أصبح عاما.
المصدر:العرب اللندنية