بقلم: حامد الكيلاني.
الحدود العراقية مع إيران خاصرة رخوة بالنسبة للنظام الإيراني بمضامين تختلف عن خاصرة العراق مع سوريا، بما تشكله من مخاطر انتقال عناصر تنظيم داعش عبر الحدود من وإلى العراق. الخاصرة الغربية تستدعي تواجد القوات النظامية وميليشيات الحشد الشعبي واستنفارها مع جهد لوجيستي وتقني، وجهد سياسي أثمرت عنه زيارة فالح الفياض رجل إيران الأول الذي يتسيد المشهد الأمني والميليشياوي في العراق في هذه المرحلة، ولقائه برئيس النظام السوري الحاكم الذي تمخض عن نتائج إعلامية سريعة كشفت عن حرية سلاح الجو العراقي في استهداف ما تراه من مجاميع إرهابية دون الرجوع لأخذ موافقات القيادات العسكرية والأمنية في سوريا، ونتائج أخرى للزيارة ستفصح عنها حتما المخرجات الإيرانية في سوريا والعراق.
خاصرة العراق مطلوب منها أن تكون رخوة وهشة تبعث على استرخاء النظام الإيراني بما يتناغم مع دغدغة متطلبات إدامة مشروعه في المنطقة، وإفلاته من ضغط العقوبات الأميركية بما تشهده الحدود من عمليات تهريب بنشاط واسع في المحافظات المحاذية لها أو في المنافذ الرسمية.
تختلف أساليب التهريب وتتوزع مصادرها وأنواع البضاعة المهربة على مافيات صغيرة وكبيرة وبإشراف الأحزاب السياسية وميليشياتها التي خبرت مهنة التهريب منذ أمد بعيد، بما يمكنها من إدخال معدات ضخمة إلى إيران كما حدث مع تفكيك منشآت حيوية أو بإلقائها القبض على مواد ممنوعة قد لا يتجاوز وزنها الكيلوغرام الواحد، فالحدود مرتهنة للأحزاب المتنفذة ومشاريعها السياسية والمالية الماكرة.
في أجواء التناقضات بين الأفعال والأقوال أو تطابقها، يمضي العمل السياسي في العراق بخدمة ولاية الفقيه وأوامره أو بما بين السطور والتصريحات في دعم الأهداف الإيرانية المعلنة في زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى العراق، وما ألقاه من تعليمات تحديدا إلى الميليشيات باعتبارها الجناح الأمني الأكثر فاعلية على الأرض، إضافة إلى دورها السياسي الأهم في البرلمان.
ما إن انتهت زيارة ظريف إلى العراق حتى توجهت لجنة الأمن والدفاع النيابية بالسؤال رسميا إلى رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي عن عدد القوات الأميركية وسبب تواجدها القانوني وأماكن انتشارها في مقدمة صريحة لتشريع قانون تضمن فيه إيران إخراج القوات الأميركية والأجنبية من العراق، بما فيه إقليم كردستان، بغطاء شرعية البرلمان.
الوزير السابق هوشيار زيباري قال في تغريدته “إن طهران وجهت نصيحة لحلفائها بإخراج القوات الأميركية عبر تصويت برلماني وإن ذلك سيتحول إلى قضية رئيسية قريبا”، والقضية المقصودة تتعلق، من وجهة النظر الإيرانية، بمحاولة استباقية لملء الفراغات العسكرية بهيمنة ميليشيات الحشد الشعبي وطرح فكرة الاستعانة بالقوات الصديقة، والمعنى واضح في حرية الحركة لقوات الحرس الثوري أو الميليشيات الطائفية بجنسياتها المختلفة في العراق، وتحت مظلة الطموح الروسي لتحضيراته المعدة في الاجتماعات الرباعية لما يسمى محور المقاومة باهتماماته الاقتصادية ومبيعات الأسلحة وغيرها.
أما لماذا غرد السياسي الكردي هوشيار زيباري مهيئا الأجواء لترقب التصعيد المرتقب بعد إصدار القانون، فإن ذلك يعود إلى أن القانون سيزج بإقليم كردستان في الصراع الأميركي الإيراني بواجهة البرلمان الاتحادي وتبعات لها صلة بمجمل القضية الكردية، خاصة بعد قرار الانسحاب الأميركي من سوريا وتعرض مصير فصائل كردية مهمة للمجهول. وهي فصائل قاتلت تنظيم داعش بحماية ورعاية القوات الأميركية وقوات التحالف وقدمت الخسائر في انتظار قطف ما تراه مستلبا منها في ماضي ومستقبل سوريا.إيران ستواجه ردات فعل كردية تعيد للإقليم عموما صلابته في انتظار موسم الانتخابات، والأعلى سقفا انتظار ما سيسفر عنه الصراع الأميركي الإيراني في العراق
انسحاب بعض القطعات الأميركية وتراجعها إلى داخل العراق كما يبدو سيكون متأنيا أو خاضعا لقراءة جديدة لمفهوم الحرب على الإرهاب، تستدعي إقامة قواعد تنهض بمهمات ثابتة ومستقرة تتيح للقوات الأميركية وللقوات الحليفة معها القرب الجغرافي من نقاط الاشتباك دون الخوض في مخاطر الاستهداف المباغت كما حصل مؤخرا في أكثر من عملية طرحت عدة تساؤلات عن جدوى التواجد العسكري في سوريا سلبا أو إيجابا، رغم أن العمليات الإرهابية تأتي في توقيت التعجيل برحيل تلك القوات خدمة للمشروع الإيراني، وإن كان يراها البعض عكس ذلك.
بعد وقائع الاستفتاء الكردي ومجريات العلاقة مع الولايات المتحدة، اعتقد الكثيرون أن إقليم كردستان تحول إلى منطقة ضعيفة تعمقت فيها أدوات السياسة الإيرانية ونعني بها ميليشيات الحشد الشعبي وكذلك السياسة التركية، لكن ما تبين بعد القتال المشترك ضد تنظيم داعش أن الهوة سحيقة بين تلك الأطراف، وإن إيران ستواجه ردات فعل كردية تعيد للإقليم عموما صلابته في انتظار موسم الانتخابات، والأعلى سقفا انتظار ما سيسفر عنه الصراع الأميركي الإيراني في العراق، وما يراد له أن يكون صراعا بين أذرع إيران وبين الولايات المتحدة، وحين نقول أذرع فالأمر ما عاد يختصر بسلاح الميليشيات إنما بقرارات سياسية وبرلمانية.
إقليم كردستان في عراق 2019 تزداد طموحاته في المناطق المتنازع عليها، وهو على مسافة مناوشات مع الحشد الميليشياوي الإيراني الذي لم يعد يرضى بمردوداته القليلة المتوفرة سابقا من إيران، والتي تفاقمت بعد الفتوى المذهبية والقضاء على داعش في الموصل وعدم حل الحشد كما تُوجبُ الفتوى بعد انتفاء الغاية منه لوجود قوات مسلحة نظامية مقتدرة ومدربة، إذ أن الحشد انتقل إلى بناء إدارة مستقلة كما لو كان وزارة للدفاع بإمكانات مادية ولوجيستية تقرر الواجبات باحتمالات متعددة قد تسري على تولي مهمة الأمن في بغداد، بما يزيل تماما أي أعباء عن كاهل النظام الإيراني في ظل العقوبات، عدا ما يتعلق بتجهيزات قواعد الصواريخ الباليستية.
ثمة إستراتيجية في إقليم كردستان تقوم على احتواء عناصر القوة الكردية المشتتة في الجغرافيا الكردية بعد تجربة الانسحاب الأميركي من سوريا، وما تبع ذلك من يأس وضياع بوصلة المقاتلين الأكراد، لكن بالمقابل هناك أحزاب كردية إيرانية تتطلع إلى نقطة ضوء لم تكتمل بعد ملامحها في انتظار لحظة دولية فاصلة تعتبر الحرب على إرهاب النظام الإيراني من أولويات مهامها كما الحرب على تنظيم داعش.
من أسرار تلك اللحظة الهياج الميليشياوي في العراق بعد زيارة ظريف بما سيقدم عليه البرلمان من استعراض لمزايدة وطنية إيرانية ستجبر معظم نواب البرلمان على التصويت لإخراج القوات الأجنبية من العراق، فكيف ستكون ردود الأفعال في البرلمان خاصة للقوائم الكردية وللحكومة بعد متابعة تحركات لقوات تنسيقية تضم ضباطا من القوات الأميركية ومن القوات العراقية وأفرادا من أحزاب كردية ومعهم قوات من البيشمركة في جولات استطلاع لمناطق ذات طابع متوتر.
يتعمد النظام في إيران تجاهل المناطق الرخوة على أراضيه وفي مراكز قراره السياسي، ويتخبط في إدارته للصراع مع الشعوب الإيرانية ومع الولايات المتحدة أو في معالجة أزماته مع أوروبا أو في استعداده لاستخدام أحزابه وميليشياته لتقويض هيبة الشعوب واستقلال الدول وسيادتها، وبسياسته هذه إنما يتجاهل ما يمكن أن يأتي به المستقبل من صدمات، وارد جدا معها أن نرى النظام الإيراني يعود إلى مهزلته المفضلة في أداء دور الضحية.
المصدر: العرب اللندنية.