بقلم: محمّد بكر.
كان مشرقاً جداً كمَن ملك الدنيا، هكذا بدا رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو عند استقباله مستشار الأمن القومي جون بولتون، زيارة الأخير تأتي بطبيعة الحال لتهدئة الهيجان الإسرائيلي الذي بلغ مستوى الذورة بعد سيل من المتغيّرات التي عمّت المشهد السياسي، ولاسيما جبهة سوريا وحديث الرئيس الأميركي عن انقضاء الأمر في سوريا وأنهم عندما يتحدّثون عن الملف السوري فكل ما فيه رمل وموت بحسب تعبير ترامب، إضافة لما كان قد أعلنه ترامب عن أنه سيترك إيران لتفعل ما تشاء في سوريا، صحيفة وول ستريت جورنال كتبت ووصفت ماهية الزيارة التي يقوم بها بدوره وزير الخارجية الأميركي بومبيو والتي تشمل ست دول خليجية بالإضافة إلى مصر والأردن لجهة التأكيد على أن دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لم ينته بعد، وأن الهدف هو استيلاد تحالف موسّع ضد إيران تمثل السعودية وإسرائيل حجري الأساس فيه.
فهل بات المشهد اليوم يشي عن استراتيجية مواجهة جديدة يصوغها الإسرائيلي والسعودي برعاية أميركية والانتقال بمشهد الكباش إلى إيران؟
لتوصيف المشهد وقراءة مابين السطور لابد من الاستناد إلى ثلاث حقائق أساسية:
الأولى أن الإسرائيلي لازال يصرّ على صوغ كافة سبل المواجهة مع الجمهورية الإسلامية، ولكن يحتاج لاستيلاد ائتلاف اقليمي ودولي يدعم التوجّه التصعيدي، ولاسيما بعد المعادلات التي فرضها الميدان السوري من تظهير أكبر لحضور ومفاعيل محور بعينه، حارب أكثر من سبع سنوات ومازال يمتلك من القوة والثبات والتهديد وبمستوى أعلى من بدء الحرب، ما يعني بالضرورة أن كل القلق الإسرائيلي مما يسميه تنامي نفوذ إيران في المنطقة، هو حاضر ومتغلغل في حسابات الإسرائيلي، من هنا نفهم اتصال نتنياهو ببوتين وتأكيده على أنهم سيواصلون العمل على درء ما سماه خطر السلوك الإيراني وذات العبارة استخدمها بولتون.
الحقيقة الثانية : ما قاله ألون بن دافيد عبر مقال نشرته صحيفة معاريف أن سوريا القديمة آخذة في النشوء من جديد وبدعم روسي إيراني، ومن هنا تحديداً يمكن فَهْم ما قاله ألون نفسه وهو المقرّب من المؤسّسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية بان ترامب أعطى الضوء الأخضر لتركيا للانقضاض على الكرد في سوريا، ما يعنيه بالضرورة محاولة الأميركي استمالة التركي لأن يُصرف العطاء الأميركي بتخلّيه عن الكرد، سياسياً في خانة الابتعاد عن تثقيل محور دمشق، وبقاء التركي تحت الجناح الأميركي ومحاولة فرض رؤية سياسية بعينها على صيغة الحل السياسي النهائي في سوريا من بوابة الشمال.
الحقيقة الثالثة : إن إعادة العلاقات مع الدولة السورية ربما تكون لمحاولة إبعاد سوريا عن إيران والتأثير الفاعل في تحالف دمشق طهران، وتالياً إبقاء الأخيرة منفردة من دون حليف أو سند في ما يُعمل عليه من أبلسة وسيناريوهات استهداف محتملة.
الثابت أن الإسرائيلي يدفع باتجاه صوغ مشهد استهداف آخر عنوانه ضرب إيران وتحديداً من الداخل، كتمهيد لمراحل لاحقة ربما، وتطبيقاً لنظرية محمّد إبن سلمان في نقل المعركة للداخل الإيراني، من هنا نقرأ ما نشرته الوول ستريت جورنال عن أنه من الممكن أن نرى نتنياهو قريباً في الرياض وأن الطرفين قد فعلا كل شيء بصورة غير رسمية ولم يبق إلا الإعلان الرسمي لذلك.
يبدو أن انتصار الدولة السورية قد أنهى مرحلة بعينها وأسّس لمرحلة أكثر تعقيداً من المواجهة والكباش، لا تعرف أيّ ملل أو كلل في استعداد كل طرف لخوض المواجهة، فتسجيل الأهداف في الخصم في المواجهات السياسية والعسكرية لا يُنبئ عن انتهاء الجولات، بل ثمة في المشهد أجزاء وحلقاتٍ إضافية.