مهند الدراجي
في النظريّة السياسيّة وفي الفكر القانوني الذي يحكم إطار الدولة، تعتبر السيادة هي السلطة العليا للنظام السياسي الحاكم، وإذا كانت الدولة تتبع النظام الديمقراطي، بحيث تكون السلطة العليا جاءت عبر الصناديق، ذلك يعني ضمنا أن الشعب هو مصدر السلطة والسيادة. لكننا في العراق نحتاج لدروس في السيادة والوطنية والإدارة والتعامل السياسي وفهم قوتنا وضعفنا.
إن أكثر شيء أثبتته زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقاعدة عين الأسد العسكرية في الأنبار. أن بلدنا فاقد لكل متطلبات السيادة. ولا يوجد جهة حكومية أو رسمية أو دينية تمتلك أدنى متطلبات السيادة الوطنية الحقيقية على الأرض أو الشعب أو على الموارد.
لا بل أن الأكثر ألماً وأسفاً أن يبرر رئيس الحكومة العرجاء هذه الزيارة، بأن حكومته على علم بها. إن مجرد العلم لا يعني القدرة على التدخل في خط سير أو توقيت زيارة رئيس دولة أجنبية للأراضي العراقي. وهذا التبرير الذي ساقه عبد المهدي يدلل على أننا بعيدين كل البعد عن قدرتنا في إدارة الدولة، بل حتى أن الضعف ينخرنا من الداخل، وأصبحت أراضينا مستباحة وأجواءنا أيضا، ولا حول لنا ولا قوة.
كيف يرى العراقيون سيادتهم؟
من المعلوم أن مفهوم السيادة لدى الدول يكون ضمن إطارين؛ سيادة خارجية وداخلية. وينبثق الإطار الخارجي كما هومتفق عليه، من خلال المعاملة بالمثل وتنظيم علاقات السياسة الخارجية. والتزامالدولة بالقوانين الدولية، بما يتناسب مع قواعدها السياسية والاقتصاديةوالاجتماعية. بناء على هذا التعريف نحن فاقدين لكل ما ذكر.
فالعراق أصبحت ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية والعربية. فالكل يتدخل في سيادتها دون إظهار أدنى نوع من الاحترام أو التقدير. فهل يستطيع عادل عبد المهدي أو حيدر العبادي الذي سبقه، أن يمنع هبوط طائرة مسؤول إيراني أو أمريكي؟ أو هل تستطيع أي جهة حكومية بموجب القانون الذي تمتلكه أن تفتش طائرة أمريكية أو إيرانية تهبط في مطاراتنا دون علمنا؟ وزيارة الرئيس ترامب الأخيرة شاهد واضح أمام العالم على انتقاص سيادتنا.
أما الإطار الداخلي للسيادة، يتمثل في قدرة الدولة على فرض سيطرتها على كل أراضيها، وتطبيق القوانين على المواطنين بكل عدالة ومساواة. وبالنظر لحالتنا، ذلك يعني أننا أمام حالة معقدة من تحليل وفهم السيادة. فإذا كانت السيادة الخارجية لبلدنا منقوصة، فعلينا أن نعترف أن السيادة الداخلية للدولة مفقودة منذ زمن، تتناقلها العصابات والمرجعيات الدينية وأصحاب النفوذ والمال والتأثير الأجنبي.
وإذا كانت غير مفقودة، لماذا لم يستطيع الرئيس عادل عبد المهدي أن يكمل كابينته الوزارية لغاية اليوم؟ لأن سماحة السيد مقتدى الصدر هو رئيس الوزراء الفعلي، وهو من يسمح للعملية الديمقراطية أن تستمر في العراق أو يوقفها من خلال إرسال جماعته للبرلمان لتكسيره وترهيب النواب.
في نهاية العام 2018، وبداية عام جديد أتمنى لكم جميعا وطناً يليق بنا، وأتمنى لكم الخير والتوفيق. وأود القول إنني كتبت عن جميع المكونات السياسية في العراق، شيعة وسنة وكرد. وتناولت بشكل نقدي مباشر أسماء وشخصيات بعينها، بداية من المرجعية الرشيدة (السيستاني) ونجله محمد رضا، ومقتدى الصدر، ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، ونوري المالكي، وهادي العامري، وخميس الخنجر، والرئيس الحالي عادل عبد المهدي، وشخصيات إيرانية مرتبطة بهم، ووجهت انتقادات حادة لطريقة إدارة الدولة. وكان وما زال الهدف هو النقد لغايات إصلاح ما يمكن إصلاحه في وطننا.
وليعلم الجميع أننا مستمرون في هذا النقد الوطني، ولا نريد منكم إلا روحا وطنية لخدمة هذا الشعب والتراب. أنا ومن معي مع هذا الوطن، لأنه سيبقى ونحن وأنتم راحلون.