بفلم:جورج منصور.
في الخامس والعشرين من تشرين الأول (اكتوبر) 2018، أدى رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي اليمين الدستورية، بعد مضي أكثر من خمسة أشهرعلى انتخابات برلمانية متشظية 12 آيار (مايو) ، أثارت حولها موجة من الشكوك وقدمت طعونا في نزاهتها وعاصفة من الاتهامات لم تنته حتى بعد إعادة فرز الأصوات في بعض المراكز الانتخابية.
جاءت تأدية عبدالمهدي اليمين الدستورية، بعدما اتفق القطبان الشيعيان الرئيسيان، «سائرون» بزعامة مقتدى الصدر، و«الفتح» بقيادة هادي العامري، على اختيار رئيس وزراء تسوية سياسية، بعد أن خفض الطرفان المتحاوران من سقوف مطاليبهما، وفق مبدأ «ليس كل ما يتمنى المرء يدركه» وقدما تنازلات مشتركة لجهة التوصل الى تكليف شخصية مستقلة لتشكيل الحكومة. بيد ان الكتلتين عادتا إلى التنافس والصراع على النفوذ والمناصب، ما أدى إلى حال من الجمود والاحتقان في العملية السياسية لا يستبعد ان تقود البلد إلى طريق مسدود.
وبعد ترقب وانتظار طويلين ووسط تفاؤل شعبي حذر، بقدرة رئيس الوزراء الجديد على تشكيل حكومة قوية قوامها من المستقلين الكفوئين والنزيهين والتكنوقراط، قدم عبدالمهدي، يوم 24 كانون الأول (نوفمبر) الماضي، أسماء كابينة غير مكتملة (14 وزيراً من مجموع 22) في مسعى لتمريرها في البرلمان، وفيها بعض من المتهمين في قضايا فساد وإرهاب.
ولم يتوفق لحد اليوم في تقديم ما يعزز فيه ثقة الشارع العراقي، أو أن يقدم بدائل أفضل مما خلفه أسلافه من حكومات فاشلة تشكلت على أسس المحاصصات الطائفية والتوافق والارضاء. حكومات ظلت بعيدة عن نبض الشارع وهموم الشعب ومطالبه المشروعة في حياة آمنة وكريمة.
ويظل رئيس الوزراء اليوم في مأزق حقيقي، عالقا بين مطرقة الكتل والأحزاب السياسية المتنفذة التي تدعي منحه الحرية في اختيار مرشحيه، وسندان مطالبة قوى شيعية بان يتخذ مواقف شجاعة وينهي عملية استكمال الكابينة الجديدة، إضافة إلى تحديات لا يستهان بها وضغط شعبي وتهديدات بإدامة تظاهرات البصرة وبغداد.
وبين هذا وذاك، بدا ضعف عبدالمهدي واضحاً من خلال تردده في اتخاذ قرارات حاسمة مخافة من ان تكبر قائمة المعترضين عليه في البرلمان، خصوصاً وهو يفتقد الدعم اللازم لتمرير قراراته، ولن تقف معه أي جهة إذا لم تكن حصلت على لقمة دسمة من تقاسم الكعكة.
وما تزال خطوات تشكيل الحكومة تراوح مكانها، ويبدو أن ولادتها ستكون قيصرية، خاصة أن الاجواء المحيطة مشحونة بتهديدات إلى عبدالمهدي تصل أحياناً إلى سحب الثقة، ما قد يؤدي إلى نشر حال من الفوضى تعم الشارع العراقي وتوجس من صراعات قادمة وتخوف من ان تنسف العملية السياسية برمتها.
وبغض النظر عما ستفرزه الأيام المقبلة من تفاهمات وسيناريوهات جديدة لتجاوز الخلافات بين الكتلتين الشيعيتين بالدرجة الأساس والتوافق على تمرير الحزمة الأخيرة من الوزارات السيادية والخدمية الشاغرة، وعددها 8 بعد فشل محاولات سابقة، لا يمكن إخفاء الطابع الطائفي – التوافقي الذي يطغى على تشكيلتها، بعد أن نال تحالف الاصلاح 9 وزارات، وتحالف البناء 9 وزارات، و3 وزارات للتحالف الكردستاني، ووزارة يتيمة باسم المكونات الصغيرة. إضافة إلى التقسيم المفروض على الدولة العراقية منذ الانتخابات الأولى في 30 كانون الثاني (يناير) 2005، والذي بموجبه يتولى التحالف الكردستاني رئاسة الجمهورية، والمكون السني رئاسة مجلس النواب، والمكون الشيعي رئاسة الحكومة.
وفي الوقت الذي أكد فيه المرجع الديني علي السيستاني، في لقائه مع ممثل الأمين العام للامم المتحدة يان كوبيش يوم 29 نوفمبر الماضي، أن خمسة ملفات يتوجب على حكومة عبدالمهدي العمل على إنجازها: محاربة الفساد، وتوفير فرص العمل للعاطلين، وتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين، وإعمار المناطق المتضررة من الحرب، وإعادة النازحين إلى مناطق سكناهم، اتهم رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في لقاء تلفزيوني بث مساء 30 نوفمبر الماضي، تحالفي «سائرون» و«الفتح» كونهما حصلا على نصيب الأسد في حكومة عادل عبدالمهدي، مضيفاً «أن هذين التحالفين يدعيان التنازل عن حصتهما، لكن الحقيقة والأمر الواقع مفروض في الاتفاق، إذ انهما أخذا نصيب الأسد بالحقائب السيادية وغير السيادية».
ان البداية المتعثرة لرئيس الوزراء والضغوط الكبيرة التي يتعرض لها وسط اجندات سياسية مختلفة وتسويف متعمد في تشكيل الحكومة، لا يبشران بالخير وسط توقعات بان تكون حكومته أضعف من سابقاتها، وأنها لن تقوى على النهوض بتحقيق متطلبات الجماهير في حياة آمنة ومستقرة، وحل ملفات الاصلاحات الساخنة التي تنتظرها، وفي مقدمتها مكافحة الفساد المالي والإداري وتحقيق مطاليب الشعب في تحسين الخدمات ومعالجة البطالة والقضاء على بؤر الارهاب وخلايا «داعش» النائمة وتعزيز العلاقة بين بغداد واربيل على مبدأ الشراكة والعيش المشترك.
فهل سيتوفق عادل عبدالمهدي في أداء مهامه الكبيرة في ظل مشهد سياسي معقد ومتشابك؟ وهل سينهض العراق من كبوته برئيس وزراء تسوية؟ أم سيقدم عبدالمهدي استقالته، التي عودنا عليها في أكثر من مرة، ويعود الشعب العراقي يتذكر ما كان يردده الفنان العراقي الراحل جعفر السعدي في مسلسل «النسر والمدينة»: عجيب أمور غريب قضية؟
المصدر: الحياة اللندنية