بقلم: مهند الدراجي
يفيد التتبع التاريخي لثلاث مرجعيات دينية رئيسية في النجف الأشرف، أن كلا منها تميز بطابع ما، أو أن فترته حملت صبغة ما، تعكس قوته وعلمه وتأثيره داخلياً وخارجياً وعلاقته بالنظام السياسي وقتها.
إذ كان السيد الخوئي، صاحب خط ثابت، ونهج واضح في معارضته لنظام صدام حسين. بالرغم من علاقاته مع الدولة التي كانت بهدف تسهيل أدارة الأمور المتعلقة بالجانب الإداري ومصالح الناس، ولا تتعدى ذلك إطلاقا. واستمرت فترته ما يقارب ستين عاماً، حتى العام 1993. جاء بعده السيد السيستاني أطال الله عمره، بسبب علمه وحضوره وقدرته على أن يكون فعلا مرجعية جامعة. وما زال إلى اليوم ثابتا يملئ مكانه.
في حين أن السيد محمد صادق الصدر، وصل لرتبة المرجعية ليس بفضل علم أو تأثير، وهناك الكثير من الأسئلة حول دوره في المعادلة السياسية والدينية.
فهناك من يقول إنه تم تعظيم دور السيد الصدر كمرجعية دينية أصلها عربي، من قبل نظام صدام حسين لتكون نقطة خلافية بين مرجعيات النجف الأشرف.
واشتهرت مرجعية السيد الصدر بصلاة الجمعة التي كانت تشهد حضورا كبيراً، بسبب أوامر حضور صلاة الجمعة التي كانت تعطى من أجهزة الأمن العراقية لتشكيلات ما يعرف وقتها بـ “فدائي صدام”، والتي كانت عبارة عن تشكيلات غوغائية همجية مسلحة تحت إطار الدولة، لا يختلفون كثيرا عن أتباع السيد مقتدى الصدر اليوم.
مقتدى الناجي والباحث عن السلطة.
في التاسع عشر من شباط 1999، وبينما كان الصدر برفقة ولدية مؤمل ومصطفى في سيارته عائداً إلى منزله في الحنانة. تعرض لملاحقة، نجم عنها مقتله وولديه. لتشهد مناطق جنوب العراق، ومدينة الصدر، اضطرابات ونزاعات مسلحة سميت بـ “انتفاضة الصدر 1999”، حيث قامت ميليشيات مسلحة بالهجوم على قوات الأمن ومراكز الشرطة ومقرات حزب البعث في الجنوب.
وتفيد تقارير مخابراتية أن مقتل السيد محمد صادق الصدر وولديه جاء بأوامر عليا من الحكومة العراقية وقتها. لكن الطريف في الأمر أن هذه الأوامر لم تشمل التعامل مع السيد نجله الثالث مقتدى الصدر، بسبب عدم الحاجة إلى قتله، فضلا عن أن هناك شهادات تدلل على ارتباط الصدر بأجهزة مخابرات حزب البعث. وتشير الشهادات والتقارير إلى أن مقتدى الصدر لعب دورا مشبوها بالتعاون مع مخابرات البعث ضد والده وأخويه وحوزته.
حاول مقتدى الصدر بعد مقتل والده أن يرث خطه الديني والشعبي، ولأنه لا يمتلك أدنى المؤهلات لذلك، فقد ورث أشياء أخرى قام بتوجيهها وفقا لما يريد. فبعد حادثة 1999، استطاع الصدر أن يتخذ من الفوضى والخراب منهجا له، وبعد سقوط نظام صدام، ورث تشكيلات “فدائية صدام” الهمجية، وأنضم لهم الراغبون في الخروج على القانون. ليشكل بذلك قوة تقتل وتضيق وتخطف، وتقوم بكل ما يلزم من أجل ترهيب الأخرين.
الصدر ضعيف أمام أي تنافس.
يدرك الصدر أنه ليس قويا بدون البلطجية التابعين له، ولا يمكن أن يسمح لأي شخصية أن تأتي لمنطقة التنافس وتفرض حضورها. لذلك كان تاريخ العاشر من أبريل 2003، نقطة تحول ودليل إثبات على غوغائية مقتدى الصدر، حيث قتل عبد المجيد الخوئي، في مقام علي ابن أبي طالب. بعد رجوعه للعراق بفترة وجيزة. وأثبتت التحقيقات تورط مقتدى الصدر بالقضية. حتى أن أمرا قضائيا صدر للقبض عليه، لكنه لغاية الآن معلق بدون تنفيذ، خوفا من دموية الصدر.
قتل عبد المجيد الخوئي بسبب شعور مقتدى الصدر، بأن وجود الخوئي في النجف، تهديد مباشر له، لا سيما وأنه يستند إلى تاريخ والده الكبير، وإلى علمه وخبرته في الإدارة، إذ أنه كان رئيسا لمؤسسة الخوئي في كل أنحاء العالم. إضافة إلى سمعة عراقية وعربية ودولية بسبب تجربته خارج العراق، الممتدة منذ 1993، يوم خرج من العراق تفاديا لأن ينفذ فيه حكم الإعدام الصادر بحقه وقتها.
المهم بالنسبة لمقتدى أنه تخلص من منافس قوي له، ومن وقتها يرصد بعين الحقد، دور محمد رضا السيستاني الذي يتعاظم، بفضل الاحترام والمكانة التي يحظى بها والده، سماحة السيد السيستاني. ولا يخفى على أحد أن علاقة الصدر وتياره بالسيستاني ونجله منذ 2003 لغاية ما قبل عامين، شهدت حالة قوية من التوتر.
تدرك المرجعية الرشيدة على مر هذه الفترة أن الصدر يخالف إيران وهذا يسعدها، وهو في نفس الوقت لا يؤمن جانبه إلا بمهادنته، خاصة وأن المسافة بين “الحنانة” وشارع الرسول – مكان سكن السيد علي السيستاني- أقل من كيلو متر واحد. و”الحنانة” تعج على مدار الساعة بالمسلحين والمجرمين والخارجين على القانون.
علاقة لن تدوم
لا يمكن الرهان على العلاقة القوية التي تجمع اليوم بين السيد مقتدى الصدر ومحمد رضا السيستاني. على اعتبار أن هذه العلاقة مبنية على مصالح متبادلة وآنية. ومحمد رضا يعلم تماما كيف يفكر الصدر، الذي يطبق قانونه الخاص ويعطل الحياة الديمقراطية وقتما شاء، ويقتحم مؤسسات الدولة لفرض رأيه. وأن مثله لا يؤتمن جانبه، بتقدير الكثيرين أنه وبمجرد وفاة السيد السيستاني – أمد الله في عمره- يمكن توقع الأسوأ لمحمد رضا السيستاني إذ فكر أن ينافس أو يهدد مصالح مقتدى الصدر.